ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض [1] ، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض [2] ، وخلوتم بالدعة [3] ، ونجوتم من الضيق بالسعة ، فمججتم ما وعيتم [4] ، ودسعتم الذي تسوغتم [5] ، " فإن تكفروا [6] أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني
[1] الرؤية هنا بمعنى العلم أو بالنظر بالعين ، وأخلد إليه : ركن ومال . والخفض بالفتح : سعة العيش . [2] المراد بمن هو أحق بالبسط والقبض أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وصيغة التفضيل مثلها في قوله تعالى : " قل أذلك خير أم جنة الخلد " . [3] خلوت الشئ : انفردت به واجتمعت معه في خلوة . والدعة : الراحة والسكون . [4] مج الشراب من فيه : رمى به . و " وعيتم " أي حفظتم . [5] الدسع ، كالمنع : الدفع والقئ وإخراج البعير جرته إلى فيه . وساغ الشراب يسوغ سوغا : إذا سهل مدخله في الحلق ، وتسوغه : شربه بسهولة . [6] صيغة " تكفروا " في كلامها عليها السلام إما من الكفران وترك الشرك كما هو الظاهر من سياق الكلام المجيد حيث قال تعالى : " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " . وقال موسى : " وإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد " أو من الكفر بالمعنى الأخص . والتغيير في المعنى لا ينافي الاقتباس ، مع أن في الآية أيضا يحتمل هذا المعنى . والمراد أن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا من الثقلين فلا يضر ذلك إلا أنفسكم فإنه سبحانه غني عن شكركم وطاعتكم ، مستحق للحمد في ذاته ، أو محمود تحمده الملائكة بل جميع الموجودات بلسان الحال ، وضرر الكفران عائد إليكم حيث حرمتم من فضله تعالى ومزيد إنعامه وإكرامه . والحاصل إنكم إنما تركتم الإمام بالحق ، وخلعتم بيعته من رقابكم ، ورضيتم ببيعة أبي بكر لعلمكم بأن أمير المؤمنين عليه السلام لا يتهاون ولا يداهن في دين الله ولا تأخذه في الله لومة لائم ، ويأمركم بارتكاب الشدائد في الجهاد وغيره ، وترك ما تشتهون من زخارف الدنيا ، ويقسم الفئ بينكم بالسوية ، ولا يفضل الرؤساء والأمراء ، وأن أبا بكر رجل سلس القياد ، مداهن في الدين لإرضاء العباد ، فلذا رفضتم الإيمان ، وخرجتم عن طاعته سبحانه إلى طاعة الشيطان ، ولا يعود وباله إلا إليكم . وفي الكشف : " إلا وقد أرى - أن قد أخلدتم إلى الخفض وركنتم إلى الدعة فمججتم الذي أوعيتم ، ولفظتم الذي سوغتم " وفي رواية ابن أبي طاهر : " فعجتم عن الدين " . يقال : ركن إليه بفتح الكاف - وقد يكسر - أي مال إليه وسكن . وقال الجوهري : " وعجت بالمكان أعوج أي أقمت به . وعجت غيري ، يتعدى ولا يتعدى . وعجت البعير : عطفت رأسه بالزمام . والعايج : الواقف . وذكر ابن الأعرابي : فلأن ما يعوج عن شئ أي ما يرجع عنه " .