الحجّة الثالثة : إنّه جاء في كتب التواريخ أنّ اسم والد إبراهيم عليه السلام تارخ ، وأمّا آزر فهو كان عمّ إبراهيم . ثمّ إنّ القائلين بهذا القول أجابوا عن دلائل أصحاب القول الأوّل فقالوا : القرآن وإن دلّ على تسمية آزر بالأب إلاّ أنّ هذا لا يدلّ على القطع بكونه والداً له ، وذلك لأنّ لفظة الأب فقد تطلق على العمّ ، قال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب : ( نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل ) فسمّوا إسماعيل أباً ليعقوب مع أنّ إسماعيل كان عمّاً ليعقوب ، وقال رسولنا عليه السلام : ردّوا علَيّ أبي . يعني العبّاس . وأيضاً : يحتمل أن يكون آزر كان أب اُم إبراهيم ، وهذا قد يقال له الأب ، قال تعالى : ( ومن ذرّيّته داود وسليمان ) إلى قوله : ( وعيسى ) فجعل عيسى من ذرّيّة إبراهيم مع أنّه كان جدّه من قبل الاُمّ ، وبهذا ظهر الجواب عن الحجّة الثانية ، وذلك لأنّ تسمية العم بالأب مشهور في اللغة العربيّة ، فلهذا السبب في هذه الآية ما كذّبوه ، هذا تمام هذا الكلام في نصرة هذا القول . واعلم أنّ القول الأوّل أولى ، وذلك لأنّ ظاهر لفظ الأب يدلّ على الوالد ، أمّا التمسّك بقوله تعالى : ( وتقلّبك في الساجدين ) فهو محمول على سائر الوجوه ، ولا نحمله على أنّ روحه كانت تنتقل من ساجد إلى ساجد محافظة على ظاهر الآية التي تمسّكنا بها وهو قوله ( لأبيه آزر ) . وأمّا الحجّة الثانية فجوابها : إنّكم تمسّكتم بعمومات دالّة على أنّه لا يجوز إظهار الخشونة مع الأب فنقول : إن قلنا بما ذكرتم سَلِمَتْ تلك العمومات عن هذا التخصيص ، إلاّ أنّه وجب حمل لفظ الأب على المجاز ، وإن أجرينا لفظ الأب على حقيقته لزمنا إدخال التخصيص في تلك