الذي ينافيه ، ولم يذكروا الشرط كما قالوا في النسخ قبل الفعل ، وقد أوضحناه في باب ذبح إسماعيل عليه السلام . فمعنى قولهم عليهم السلام : ما عبد الله بمثل البداء ، إنّ الإيمان بالبداء من أعظم العبادات القلبيّة لصعوبته ومعارضة الوساوس الشيطانيّة فيه ، ولكونه إقراراً بأنّ له الخلق والأمر ، وهذا كمال التوحيد ، أو المعنى أنّه من أعظم الأسباب والدواعي إلى عبادة الربّ تعالى كما عرفت . وكذا قولهم : ما عُظِّم الله بمثل البداء ، يحتمل الوجهين ، وإن كان الأوّل فيه أظهر . وأمّا قول الصادق عليه السلام : لو علم النّاس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه . فلما مرّ أيضاً من أنّ أكثر مصالح العباد موقوفة على القول بالبداء ، إذ لو اعتقدوا أنّ كلّ ما قُدِّرَ في الأزل فلابدّ من وقوعه حتماً لَمَا دعوا الله في شيء من مطالبهم وما تضرّعوا إليه وما استكانوا لديه ولا خافوا منه ولا رجوا إليه ، إلى غير ذلك ممّا قد أومأنا إليه . وأمّا إنّ هذه الاُمور من جملة الأسباب المقدّر في الأزل أن يقع الأمر بها لا بدونها ، فممّا لا يصل إليه عقول أكثر الخلق . فظهر أنّ هذا اللوح وعلمهم بما يقع فيه من المحو والإثبات أصلح لهم من كلّ شيء » [1] .