« قد حكى أبو عمر الزاهد في كتاب اليواقيت عن ثعلب إنّه قال : إذا اختلف الإعرابان في القرآن لم اُفضّل إعراباً على إعراب ، فإذا خرجتُ إلى كلام النّاس فضّلتُ الأقوى . وقال أبو جعفر النحّاس : السلامة عند أهل الدّين إذا صحّت القرائتان أن لا يقال لإحداهما أجود ، لأنّهما جميعاً عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فيأثم من قال ذلك ، وكان رؤساء الصحابة رضوان الله عليهم ينكرون مثل هذا . وقال أبو شامة : أكثر المصنّفون من الترجيح بين قراءة مالك وملك حتّى أنّ بعضهم بالغ إلى حدّ يكاد يُسقط وجه القراءة الاُخرى ، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القرائتين » [1] . فإذا كان الترجيح إثماً فكيف بالتخطئة ، وقد عرفنا أنّ ابن عباس وعائشة وغيرهما قد خطّأوا آيات عديدة ؟ بل جاء في بعض الآثار الصحيحة أن ترجيح قراءة على قراءة يكاد يكون كفراً ! قال ابن حجر في كلام له في جمع المصاحف : « وقد جاء عن عثمان أنّه إنّما فعل ذلك بعد أن استشار الصّحابة ، فأخرج ابن أبي داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال : قال عليّ : لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملإ منّا . قال : ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أنّ بعضهم يقول إنّ قرائتي خير من قرائتك ، وهذا يكاد يكون كفراً . قلنا : فما ترى ؟ قال : أرى أن يجمع النّاس على مصحف واحد فلا يكون فرقة ولا اختلاف . قلنا : فنعم ما رأيت » [2] .
[1] الإتقان في علوم القرآن 1 : 281 . [2] فتح الباري 9 : 15 .