أحدها : أنّ ذلك لا يصحّ عن عثمان ، فإنّ إسناده ضعيف مضطرب منقطع ، ولأنّ عثمان جعل للنّاس إماماً يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه ليقيمه العرب بألسنتها ؟ فإذا كان الذين تولّوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار ، فكيف يقيمه غيرهم ؟ وأيضاً ، فإنّه لم يكتب مصحفاً واحداً بل كتب عدّة مصاحف ، فإن قيل : إنّ اللحن وقع في جميعها فبعيد اتّفاقها على ذلك ، أو في بعضها فهو اعتراف بصحّة البعض ، ولم يذكر أحد من النّاس إنّ اللّحن كان في مصحف دون مصحف ، ولم تأت المصاحف قطّ مختلفة إلاّ فيما هو من وجوه القراءة وليس ذلك بلحن . الوجه الثاني : على تقدير صحّة الرواية ، إنّ ذلك مأوّل على الرّمز والإشارة ومواضع الحذف نحو الكتب والصبرين وما أشبه ذلك . الثّالث : إنّه مأوّل على أشياء خالف لفظها رسمها كما كتبوا « لأوضعوا » و « لأذبحنّه » بألف بعد لا « لا اوضعوا » و « لا اذبحنّه » و « جزاؤ الظالمين » بواو وألف ، و « بأيد » بيائين ، فلو قرىء ذلك بظاهر الخط لكان لحناً . وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشتة في كتاب المصاحف » [1] . هذا ، ولا يجدي شيء من هذه الوجوه نفعاً ، فالروايات تلقّاها العلماء بالقبول ونسبوها إلى قائليها عن جزم ، كما في ( معالم التنزيل ) : « قال عثمان : إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها . . . » [2] . وأمّا الجواب بالحمل على التأويل ، فواضح ما فيه ، وقد ذكره السيوطي فقال :
[1] الإتقان في علوم القرآن 2 : 321 - 322 . وفيه اختلاف . [2] تفسير البغوي = معالم التنزيل 2 : 188 .