وإذا كانت هناك أسباب ودواع لِما حصل بيننا من خلاف ، فما أجمل أن نقف عليها ونبيّنها بكل حياد وموضوعية وتعقل ، مدركين أنّ المهمّ في الأمر هو ظهور النهج الاسلامي الأصيل الحنيف وليس غلبة هذا الاتجاه أو ذاك ، وأنّ اتفاقنا على الحقّ الصريح هو الذي سيضمن اجتماعنا . وأما تعصّب كل منّا إلى فرقته - ليس إلاّ لأنه ورثها عن آبائه ، ونشأ عليها ، وتشربت بها عروقه - فلا يزيدنا إلاّ تباعداً فيما بيننا ، وابتعاداً عن المحجة البيضاء والشريعة المحمّدية السمحاء . وهذه الموسوعة - التي ننقل فيها تجارب أناس بحثوا في الموروث ، وغربلوه ، فتمسّكوا بالصافي منه ، وأعطوا المغشوش منه ظهورهم - هي المصداق البارز والحيّ في تفهّم بعضنا الآخر فيما اختلفنا فيه ، ومن ثمّ قبول ما وافق الدليل منه وترك ما خالفه . فإليكم هذه التجارب الشخصية على هذا الطريق . . لتشاهدوا بوضوح : لماذا اختار هؤلاء مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ؟ وما هي الأدلّة التي اعتمدوا عليها ؟ ومن أين كان المنطلق ؟ وكيف ساروا ؟ وإلى أين وصلوا ؟ فنجعلكم تواكبون الرحلة معهم ، لتتعرفوا على كيفية ركوبهم سفينة النجاة . كل ذلك ، مع سرد الأدلّة العقلية . . والنقلية . . والوجدانية . فإليكم هذه الأصوات التي طفحت بالولاء لمحمد وآل محمد ، والتي نبعت من قلوب تمرّدت على أهوائها ، فتفتحت بصيرتها على أنوار الحقيقة ، فجاءت متعطّشة ، لتحكي خلجاتها القلبية المتفجّرة بلسان صادق وعواطف جياشة . لماذا الاستبصار ؟ في هذا الفصل نقتصر على نقل بعض الحقائق التي اعترف بها الأستاذ حسن فرحان المالكي حول التحوّلات السنية للشيعة ، وهي ليست العلّة التامة لهذه التحوّلات ، بل كانت المنطلق نحو البحث للكثير من المستبصرين . والأستاذ حسن فرحان المالكي يعدّ من الأسماء اللامعة والمشهورة في الأوساط العلمية ، وعرف بإنصافه في البحث ، رغم كونه في السعودية ، ومحسوب على السلفيّين ، إلاّ أنّ إنصافه سبّب له مقتاً كبيراً من قبلهم ، مما جعلهم يوجّهون سهامهم نحوه لمحاربته . له عدّة كتب وأبحاث ، منها مقال منشور في مجلة : ( المجلّة ) العدد 1082 بتاريخ 11 / 11 - 2000 م ، تحت عنوان : " قراءة في التحوّلات السنية للشيعة " ، والذي ركّز فيه على مسألة المستبصرين ، وعلى التيجاني وكتبه بالذات . وقد أورد في مقاله هذا عدّة نكات ارتأينا أن نتوقف عندها ، ونذكرها ، لما فيها من اعترافات مهمة حول