نام کتاب : دعوة إلى سبيل المؤمنين نویسنده : طارق زين العابدين جلد : 1 صفحه : 123
وإذا كان خائفا من المنافقين أن يقدحوا في صحة الكتاب ، فلماذا بذر لهم بذرة القدح حيث عارض ومانع وقال : " هجر " ؟ ! وأما قولهم في تفسير قوله : " حسبنا كتاب الله " : إنه تعالى قال : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) وقال عز من قائل : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) فغير صحيح ، لأن الآيتين لا تفيدان الأمن من الضلال ، ولا تضمنان الهداية للناس . فكيف يجوز ترك السعي في ذلك الكتاب اعتمادا عليهما ؟ ! ولو كان وجود القرآن العزيز موجبا للأمن من الضلال ، لما وقع في هذه الأمة من الضلال والتفرق ما لا يرجى زواله . وقالوا في الجواب الأخير : إن عمر لم يفهم من الحديث أن ذلك الكتاب سيكون سببا لحفظ كل فرد من أمته من الضلال ، وإنما فهم أنه سيكون سببا لعدم اجتماعهم - بعد كتابته - على الضلال . ( قالوا ) : وقد علم رضي الله عنه أن اجتماعهم على الضلال مما لا يكون أبدا ، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب ، ولهذا عارض يومئذ تلك المعارضة . وفيه - مضافا إلى ما أشرتم إليه - : أن عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد عن الفهم ، وما كان ليخفى عليه من هذا الحديث ما ظهر لجميع الناس ، لأن القروي والبدوي إنما فهما منه أن ذلك الكتاب لو كتب لكان علة تامة في حفظ كل فرد من الضلال . وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث إلى أفهام الناس . وعمر كان يعلم أن الرسول ( ص ) لم يكن خائفا على أمته أن تجتمع على الضلال ، إذ كان يسمع قوله ( ص ) : " لا تجتمع أمتي على الضلال ، ولا تجتمع على الخطأ " ، وقوله : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق . . . " ( الحديث ) ، وقوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) [1] ، إلى كثير من نصوص الكتاب والسنة الصريحة بأن الأمة لا تجتمع بأسرها على الضلال . . فلا يعقل مع هذا أن يسنح في خاطر عمر أو غيره أن النبي ( ص ) حين طلب الدواة