وثارت ثائرتهما قائلين لي : من أنت حتّى تنتقد البخاري . وحاولت كلّ جهدي لإقناعهما للدخول في البحث ، فرفضا قائلين : إذا تشيّعت أنت فلا تشيّعنا نحن ، وعندنا ما هو أهم من ذلك ، مقاومة الحكومة التي لا تعمل بالإسلام . قلت : ما الفائدة إذا وصلتم أنتم إلى الحكم ، فستعملون أكثر منهم ما دمتم لا تعرفون حقيقة الإسلام ، وانتهى لقاؤنا بنفور بيننا . ازدادت على أثره حملة الإشاعات ضدّنا من قبل بعض الإخوان المسلمين الذين لم يكونوا وقتها يعرفون بحركة الاتجاه الإسلامي ، فبثّوا في أوساطهم بأنّني عميل للحكومة ، وأنّي أشكك المسلمين في دينهم ، حتّى أُلهيهم عن قضيتهم المتمثّلة في مقاومة الحكومة . وبدأت العزلة من الشبان الذين يعملون في صفوف الإخوان المسلمين ، ومن الشيوخ الذين يتبعون الطرق الصوفية ، وعشنا فترات قاسية غرباء في ديارنا وبين إخواننا وعشيرتنا ، ولكنّ الله سبحانه أبدلنا خيراً منهم . فكان بعض الشبان يأتون من مدن أخرى يسألون عن الحقيقة ، فكنت أبذل قصارى ما في وسعي لإقناعهم ، فاستبصر عدد من الشباب في العاصمة ، وفي القيروان وفي سوسة ، وسيدي بو زيد ، وكنت خلال رحلتي الصيفية إلى العراق مررت بأوروبا حيث التقيت بعض الأصدقاء في فرنسا وفي هولندا ، وتحدّثت معهم في الموضوع ، فاستبصروا والحمد لله . وكم كانت فرحتي عظيمة عندما قابلت السيد محمّد باقر الصدر في النجف الأشرف ، وكان في بيته نخبة من العلماء ، وأخذ السيد يقدمني إليهم بأنّي بذرة التشيع لآل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تونس ، كما أعلمهم بأنّه بكى تأثراً عندما وصلته رسالتي مهنّئة تحمل إليه بشرى احتفالنا لأول مرة بعيد الغدير السعيد ، وشكوت إليه ما نلاقيه من مقاومة ، ومن بثّ الإشاعات ضدّنا ، والعزلة التي نواجهها .