ولما ولي الإمام علي أمور المسلمين وجد صعوبة كبيرة في إرجاع الناس إلى السنة النبوية الشريفة وحظيرة القرآن ، وحاول جهده أن يزيل البدع التي أدخلت في الدين ، ولكن بعضهم صاح : " وأسنة عمراه " [1] ! وأكاد اعتقد وأجزم بأنّ الذين حاربوا الإمام عليّاً وخالفوه إنّما فعلوا ذلك لأنه - سلام الله عليه - حملهم على الجادة ، وأرجعهم إلى النصوص الصحيحة ، مميتاً بذلك كل البدع والاجتهادات التي ألصقت بالدين طوال ربع قرن ، وقد ألفها الناس وخاصّة منهم أصحاب الأهواء والأطماع الدنيوية ، الذين اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا ، وكدّسوا الذهب والفضة ، وحرموا المستضعفين من أبسط الحقوق التي شرعها الإسلام . وقد نجد أن المستكبرين في كلّ عصر يميلون إلى الاجتهاد ويطبّلون له ; لأنّه يفسح لهم المجال للوصول إلى مآربهم من كلّ طريق ، أمّا النصوص فتقطع عليهم وجهتهم ، وتحول بينهم وبين ما يرومون . ثمّ إنّ الاجتهاد وجد له أنصاراً في كلّ عصر ومصر حتّى من المستضعفين أنفسهم لما فيه من سهولة التطبيق وعدم الالتزام . ولأن النصّ فيه التزام وعدم حرية ، وقد يسمّى عند رجال السياسة الحكم الثيوقراطي ، يعني ( حكم الله ) ، ولأنّ الاجتهاد فيه حرية وعدم الالتزام بالقيود ، فيسمونه الحكم الديمقراطي ، يعني ( حكم الشعب ) فالذين اجتمعوا في السقيفة بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ألغوا الحكومة الثيوقراطية التي أسّسها رسول الله على مبدأ النصوص القرآنية ، وأبدلوها بحكومة ديمقراطية يختار الشعب فيها من يراه صالحاً لقيادته ، على أن أولئك الصحابة لم يكونوا ليعرفوا كلمة " الديمقراطية " لأنها ليست عربية ، ولكنهم يعرفون نظام الشورى [2] .
[1] الشافي للمرتضى 4 : 219 ، وتلخيص الشافي للطوسي 4 : 52 . [2] رغم أنّه في الواقع لم يحصل حتّى هذا النوع من الانتخاب إذ إنّ الذين انتخبوا لا يملكون حق تمثيل الأمة بأي وجه من الوجوه ( المؤلف ) .