السياسية ، وحتى في الأمور الدينية ، كما تقدم في تبشير المؤمنين بالجنة . ومن فكرة الاجتهاد واستعمال الرأي مقابل النصوص ، نشأت أو تكونت مجموعة من الصحابة وعلى رأسهم عمر بن الخطاب ، وقد رأيناهم يوم الرزية كيف ساندوا وعضدوا رأي عمر مقابل النصّ الصريح . ومن ذلك أيضاً نستنتج بأنّ هؤلاء لم يقبلوا يوماً نصوص الغدير التي نصّب بها النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً خليفة له على المسلمين ، وتحيّنوا الفرصة السانحة لرفضها عند وفاة النبي ، فكان اجتماع السقيفة وانتخاب أبي بكر من نتيجة هذا الاجتهاد . ولما استتب لهم الأمر وتناسى الناس نصوص النبي في خصوص الخلافة ، بدأوا يجتهدون في كلّ شئ ، حتّى استطالوا على كتاب الله فعطلوا الحدود ، وأبدلوا الأحكام . فكانت مأساة فاطمة الزهراء بعد مأساة زوجها وإبعاده عن منصة الخلافة ، ثمّ كانت مأساة قتل مانعي الزكاة ، وكل ذلك من الاجتهاد مقابل النصوص ، ثمّ كانت خلافة عمر بن الخطاب نتيجة حتمية لذلك الإجتهاد ، إذ إنّ أبا بكر اجتهد برأيه وأسقط الشورى التي كان يستدل بها هو نفسه على صحة خلافته ، وزاد عمر في الطين بلّة عندما ولي أمور المسلمين ، فأحل ما حرّم الله ورسوله [1] ، وحرم ما أحل الله ورسوله [2] . ولما جاء عثمان بعده ذهب شوطاً بعيداً في الاجتهاد ، فبالغ أكثر ممن سبقوه ، حتّى أثّر اجتهاده في الحياة السياسة والدينية بوجه عام ، فقامت الثورة ودفع حياته ثمن اجتهاده .
[1] كقضية امضاءه الطلاق الثلاث صحيح مسلم 4 : 84 ، باب الطلاق الثلاث من كتاب الطلاق ، سنن أبي داود 1 : 344 ( المؤلّف ) . [2] كتحريمه متعة الحج ومتعة النساء صحيح مسلم كتاب الحج ، صحيح البخاري كتاب الحج باب التمتع ( المؤلف ) .