أكان مقتنعاً حقّاً بأنّ خالد تأوّل فأخطأ ؟ فأيّ حجّة بعد هذا على المجرمين والفاسقين في هتكهم الحرمات وادّعائهم التأويل . أما أنا فلا أعتقد بأنّ أبا بكر كان متأوّلا في أمر خالد الذي سمّاه عمر بن الخطاب ب " عدو الله " ، وكان من رأيه أن يقتل خالد لأنه قتل امرءاً مسلماً ، ويرجمه بالحجارة لأنه زنى بزوجة مالك ( ليلى ) ، ولم يكن شئ من ذلك قد وقع لخالد ، بل خرج منها منتصراً على عمر بن الخطاب ; لأن أبا بكر وقف إلى جانبه ، وهو يعلم حقيقة خالد أكثر من أيِّ أحد . فقد سجّل المؤرخون بأنّه بعثه بعد تلك الواقعة المشينة إلى اليمامة التي خرج منها منتصراً ، وتزوّج في أعقابها بنتاً كما فعل مع ليلى ، ولمّا تجف دماء المسلمين بعدُ ولا دماء أتباع مسيلمة ، وقد عنّفه أبو بكر على فعلته هذه بأشد ممّا عنّفه على فعلته مع ليلى [1] . ولا شك أن هذه البنت هي الأخرى ذات بعل ، فقتله خالد ونزا عليها كما فعل بليلى زوجة مالك ، وإلاّ لما استحق أن يعنّفه أبو بكر بأشدّ مما عنّفه على فعلته الأولى . على أنّ المؤرخين يذكرون نصّ الرسالة التي بعث بها أبو بكر إلى خالد بن الوليد ، وفيها يقول : " لعمري يا بن أم خالد إنك لفارغ تنكح النساء ، وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد " [2] . ولما قرأ خالد هذا الكتاب قال : " هذا عمل الأعسر " ، يقصد بذلك عمر بن الخطاب ! فهذه من الأسباب القوية التي جعلتني أنفر من أمثال هؤلاء الصحابة ، ومن تابعيهم الذين يترضون عنهم ، والذين يدافعون عنهم بكل حماس ، ويتأوّلون النصوص ، ويختلقون الروايات الخيالية لتبرير أعمال أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وخالد بن الوليد ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص وإخوانهم .
[1] الأستاذ هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر " : 140 . [2] تاريخ الطبري 2 : 519 ، الفتوح لابن أعثم 1 : 37 .