قلت : أخاف أن أكون ممّن قال الله فيهم : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْم وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) [1] . يا سيدي ، أنا لا أعتقد بأنّ المذاهب كلّها على حق ، ما دام الواحد منهم يبيح الشئ ويحرّمه الآخر ، فلا يمكن أن يكون الشئ حراماً وحلالاً في آن واحد ، والرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يتناقش في أحكامه لأنه وحي من القرآن : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) [2] ، وبما أنّ المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير ، فليست من عند الله ولا من عند رسوله ; لأنّ الرسول لا يناقض القرآن . ولما رأى الشيخ العالم كلامي منطقياً وحجتي مقبولة ، قال : أنصحك لوجه الله تعالى مهما شككت فلا تشك في الخلفاء الراشدين ، فهم أعمدة الإسلام الأربعة إذا هدّمت عموداً منها سقط البناء . قلت : استغفر الله يا سيدي ، فأين رسول الله إذن إذا كان هؤلاء هم أعمدة الإسلام ؟ أجاب : رسول الله هو ذاك البناء ! هو الإسلام كلّه . ابتسمت من هذا التحليل وقلت : استغفر الله مرة أخرى يا سيدي الشيخ ، فأنت تقول من حيث لا تشعر بأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن ليستقيم إلاّ بهؤلاء الأربعة ، بينما يقول الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا ) [3] . فقد أرسل محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالرسالة ولم يشركه فيها أحداً من هؤلاء الأربعة ولا من غيرهم ، وقد قال الله تعالى في هذا الصّدد : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ
[1] سورة الجاثية : 23 . [2] سورة النساء : 82 . [3] سورة الفتح : 28 .