واجبي وواجب كُلّ مسلم ، والله سبحانه يعلم السرائر وما تخفي الصدور . أجابني العالم قائلا : يا بني لقد أُغلق باب الاجتهاد من زمان . فقلت : ومن أغلقه ؟ قال : الأئمة الأربعة . فقلت متحرّراً : الحمد لله إذ لم يكن الله هو الذي أغلقه ، ولا رسول الله ، ولا الخلفاء الراشدون الذين أُمرنا بالاقتداء بهم ، فليس عليّ حرج إذا اجتهدت كما اجتهدوا . فقال : لا يمكنك الاجتهاد إلاّ إذا عرفت سبعة عشر علماً ، منها : علم التفسير ، واللّغة ، والنحو ، والصرف ، والبلاغة ، والأحاديث ، والتاريخ وغير ذلك . وقاطعته قائلا : أنا لن اجتهد لأبيّن للناس أحكام القرآن والسنّة ، ولا لأكون صاحب مذهب في الإسلام . . كلاّ ، ولكن لأعرف من على الحقّ ومن على الباطل ، ولمعرفة إن كان الإمام عليّ هو الحقّ أو معاوية مثلا ، ولا يتطلب ذلك الإحاطة بسبعة عشر علماً ، ويكفي أن أدرس حياة كلّ منهما وما فعلاه حتّى أتبيّن الحقيقة [1] .
[1] وقد افترى الدكتور إبراهيم الرحيلي في كتابه الانتصار للصحب والآل ص 156 على المؤلف إذ ذكر أنّ التيجاني جاهل بأمور الشريعة ويريد الاجتهاد فيها وقد اعترف بذلك ! ! وهذا خلط ولعب في الأوراق ، لأنّ المؤلف لم يقل هذا الكلام أصلاً ، فهو ذكر بأنّه يريد البحث في حياة الصحابة والأفعال التي صدرت منهم ، ثُمّ يزنها بعد ذلك بالميزان الشرعي ، ليرى مدى موافقتها للشريعة من عدمه ، وبعد ذلك يتضح له المصيب من المخطئ ، والصالح من الطالح ، والتقي الورع الذي يمكن الاعتماد عليه واتباعه من الفاجر الخبيث الذي يجب اجتنابه والابتعاد عنه . وهذا الأمر لا يتطلب من الباحث فيه أن يكون مطلعاً على سبعة عشر علماً ، إذ لا ربط للغة في عدالة معاوية من فسقه ، أو أحقية علي بن أبي طالب من غيره ، وكذلك الصرف ، والبلاغة ، والتفسير . . وغير ذلك من العلوم ، فلا ربط بين كون معاوية باغ لأنّه قتل عمار بن ياسر وبين كون الفاعل مرفوعاً ، ولا ربط بين كون معاوية منافق لأنّه يسبّ علي بن أبي طالب ويأمر بسبه وبين كون فعل ضرب على وزن فعل . . إلى غير ذلك ممّا يزيد الشجون ويدمي الجفون . وأين هذا ممّا رامه الرحيلي بقوله : " وقد اعترف المؤلف في مواطن آخر من كتابه ثمّ اهتديت بأنّه ليست عنده معرفة بعلوم الشريعة ، زاعماً - لفرط جهله - أنّه لا يحتاج إليها في بحثه عن أحوال الصحابة " ! ! من أنّ المؤلف جاهل بعلوم الشريعة فكيف يتسنى له البحث عن الصحابة ؟ ! وهذا جهل أو تجاهل مركب من الرحيلي للطعن بالمؤلف عن طريق التلاعب بالألفاظ والتمويه على القارئ بأُمور يحسبها متناقضة ، وهي ليست كذلك ، وإنّما التناقض إن وجد فهو في ذهن الرحيلي لا غير .