ومن البديهي المعلوم أن الصحابة تفرّقوا بعد النبي ، واختلفوا وأوقدوا نار الفتنة ، حتّى وصل بهم الأمر إلى القتال والحروب الدامية التي سبّبت انتكاس المسلمين وتخلّفهم ، وأطمعت فيهم أعداءهم ، والآية المذكورة لا يمكن تأويلها وصرفها عن مفهومها المتبادر للأذهان . 3 - آية الخشوع : قال تعالى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) [1] صدق الله العظيم . وفي الدرّ المنثور لجلال الدين السيوطي قال : لما قدم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المدينة ، فأصابوا من لين العيش ما أصابوا بعد ما كان بهم من الجهد ، فكأنّهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه ، فعوتبوا فنزلت : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) [2] . وفي رواية أُخرى عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " إنّ الله سبحانه استبطأ قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن فأنزل الله : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) " [3] . وإذا كان هؤلاء الصحابة ، وهم خيرة الناس على ما يقوله أهل السنّة والجماعة ، لم تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحقّ ، طيلة سبعة عشر عاماً ،
[1] سورة الحديد : 16 . [2] الدر المنثور للسيوطي 6 : 254 سورة الحديد ، لباب النقول للسيوطي : 188 ، تفسير القرآن للصنعاني 3 : 276 ، روح المعاني للآلوسي 27 : 179 . [3] تفسير ابن أبي حاتم 10 : 3338 ، تفسير العز بن عبد السّلام 3 : 286 ، الدر المنثور للسيوطي 6 : 253 سورة الحديد ، فتح القدير للشوكاني 5 : 174 ، روح المعاني للآلوسي 27 : 179 .