وقد جاء هذا التهديد باستبدالهم غيرهم في العديد من الآيات مما يدلّ دلالة واضحة على أنّهم تثاقلوا عن الجهاد في مرّات عديدة ، فقد جاء في قوله تعالى : ( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) [1] ، وكقوله تعالى - أيضاً - : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِم ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [2] . ولو أردنا استقصاء ما هنالك من الآيات الكريمة التي تؤكّد هذا المعنى ، وتكشف بوضوح عن حقيقة هذا التقسيم الذي يقول به الشيعة بخصوص هذا القسم من الصحابة ; لاستوجب ذلك كتاباً خاصّاً ، وقد عبّر القرآن الكريم عن ذلك بأوجز العبارات وأبلغها حين قال : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [3] صدق الله العظيم . وهذه الآيات كما لا يخفى على كلّ باحث مطّلع تخاطب الصحابة ، وتحذّرهم من التفرقة والاختلاف من بعد ما جاءهم البينات ، وتتوعدهم بالعذاب العظيم ، وتقسّمهم إلى قسمين : قسم يبعث يوم القيامة بيض الوجوه ، وهم الشاكرون الذين استحقوا رحمة الله ، وقسم يبعث مسود الوجوه ، وهم الذين ارتدوا بعد الإيمان ، وقد توعّدهم الله سبحانه بالعذاب العظيم .
[1] سورة محمّد : 38 . [2] سورة المائدة : 54 . [3] سورة آل عمران : 104 - 107 .