كما أخرج البخاري في نفس الكتاب ، أعني كتاب الأدب في باب التبسّم والضحك ، قال : حدثنا أنس بن مالك ، قال : كنت أمشي مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابيّ ، فجذبه بردائه جذبة شديدة ، قال أنس : فنظرت إلى صفحة عاتق النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد أثّرت بها حاشية الرداء من شدّة جذبته ، ثمّ قال : يا محمّد ، مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك ثمّ أمر له بعطاء [1] . كما أخرج البخاري في كتاب الأدب في باب من لم يواجه الناس بالعتاب ، قال : قالت عائشة : صنع النبي ( صلى الله عليه وآله ) شيئاً فرخّص فيه ، فتنزّه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فخطب فحمد الله ثمّ قال : " ما بال أقوام يتنزّهون عن الشئ أصنعه ، فوالله إنّي لأعلمهم بالله ، وأشدّهم له خشية " [2] . ومن أمعن النظر في مثل هذه الرواية ، فسيجدهم ينزلون أنفسهم فوق منزلته ، ويعتقدون بأنّه يخطئ ويصيبون ، بل إنّ هذا يستتبع تصحيح بعض المؤرخين لأفعال الصحابة حتّى لو خالفت فعل النبي ، أو إظهار بعض الصحابة بمنزلة من العلم والتقوى أكثر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كما حصل ذلك عندما حكموا بأنّ النبي أخطأ في قضية أسرى بدر ، وأصاب عمر بن الخطاب ، ويروون في ذلك روايات مكذوبة بأنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : " لو أصابنا الله بمصيبة لم يكن ينج منها إلاّ ابن الخطّاب " [3] .
[1] وهو أيضاً في : صحيح مسلم 3 : 103 ، باب إعطاء من سأل ، البداية والنهاية 4 : 413 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 : 682 . [2] وفيه أيضاً في : الأدب المفرد : 98 ، كشف الخفاء 1 : 200 ، تفسير البغوي 3 : 570 ، إمتاع الاسماع 3 : 149 . [3] تجد قريب منه في المصادر التالية : صحيح مسلم 5 : 157 ، الكامل في التاريخ 2 : 136 ، تاريخ الطبري 1 : 169 ، فتح القدير للشوكاني 1 : 398 ، تفسير القرطبي 8 : 47 ، الدر المنثور للسيوطي 3 : 203 ، المستصفى للغزالي : 247 .