( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) [1] ، ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ) [2] . فأيّ عذر بعد هذه النصوص الصريحة يقبله العاقلون ، وماذا عساني أن أقول في قوم أغضبوا رسول الله وهم يعلمون أنّ غضب الله في غضبه ، وذلك بعد أن رموه بالهجر وقالوا بحضرته ما قالوا ، وأكثروا اللّغط والاختلاف ، وهو مريض بأبي هو وأمي ، حتّى أخرجهم من حجرته . أو لم يكفهم كلّ هذا ؟ ! وبدلا من أن يثوبوا إلى رشدهم ، ويتوبوا إلى الله ويستغفروه ممّا فعلوا ، ويطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم كما علّمهم القرآن ، عوضاً عن ذلك فقد زادوا في الطّين بلّة - كما يقول المثل الشعبي عندنا - وتاهوا وتطاولوا على من كان بهم رؤوف رحيم ، ولم يراعوا له حقّاً ، ولم يعرفوا له احتراماً . فطعنوا في تأميره أُسامة بعد يومين من رميه بالهجر ، والجرح لمّا يندمل ، حتّى أجبروه أن يخرج ( صلى الله عليه وآله ) بتلك الحالة التي وصفها المؤرخون ، لا يقدر على المشي من شدّة المرض ، وهو يتهادى بين رجلين ، ثمّ يقسم بالله بأنّ أُسامة خليق بالإمارة . ويزيدنا الرسول بأنّهم هم أنفسهم الذين طعنوا في تأميره زيد بن حارثة من قبل ، ليعلمنا أنّ هؤلاء لهم معه مواقف سابقة متعدّدة ، وسوابق شاهدة على أنهم لم يكونوا من الذين لا يجدون في أنفسهم حرجاً ممّا قضى ويسلّموا تسليماً ، بل كانوا من المعاندين المجادلين الذين جعلوا لأنفسهم حقّ النقد والمعارضة ، حتّى ولو خالفوا بذلك أحكام الله ورسوله .