تكذيب وتجاهل ما أجمع عليه المؤرخون والمحدثون من علماء السنّة والشيعة . وقد عاهدت ربّي أن أكون منصفاً ، فلا أتعصّب لمذهبي ولا أقيم وزناً لغير الحقّ ، والحقّ هنا مرّ كما يقال ، وقد قال عليه الصلاة والسّلام : " قل الحقّ ولو كان على نفسك وقل الحقّ ولو كان مرّاً . . . " . والحقّ في هذه القضية : هو أنّ هؤلاء الصحابة الذين طعنوا في تأمير أُسامة قد خالفوا أمر ربّهم وخالفوا الصريح من النصوص التي لا تقبل الشكّ ولا تقبل التأويل ، وليس لهم عذر في ذلك ، إلاّ ما يلتمسه البعض من أعذار باردة حفاظاً على كرامة الصحابة و " السلف الصالح " والعاقل الحرّ لا يقبل بحال من الأحوال هذه المتمحّلات . اللّهم إلاّ إذا كان من الذين لا يفقهون حديثاً ، ولا يعقلون ، أو من الذين أعمت العصبية أعينهم ، فلم يعودوا يفرّقون بين الفرض الواجب طاعته ، والنهي الواجب تركه . ولقد فكّرت مليّاً عساني أجد عذراً لهؤلاء مقبولا ، فلم يسعفني تفكيري بطائل ، وقرأت اعتذار أهل السنّة على هؤلاء : بأنّهم كانوا مشايخ قريش وكبرائها ، ولهم الأسبقيّة في الإسلام ، بينما أُسامة كان حدثاً ولم يشارك في المعارك المصيريّة لعزّة الإسلام ، كمعركة بدر وأحد وحنين ، ولم تكن له سابقة ، بل كان صغير السنّ عندما ولاّه رسول الله إمارة السرية ، وطبيعة النفوس البشرية تأبى بجبلّتها إذا كانت بين كهول وشيوخ أن تنقاد إلى الأحداث ، وتنفر بطبعها من النزول على حكم الشبّان ، ولذلك طعنوا في تأميره ، وأرادوا منه ( صلى الله عليه وآله ) أن يستبدله بأحد من وجوه الصحابة وكبرائهم . إنّه اعتذار لا يستند إلى دليل عقلي ولا شرعي ، ولا يمكن لأي مسلم قرأ القرآن وعرف أحكامه إلاّ أن يرفض مثل هذا ، لأنّ الله عزّ وجلّ يقول :