فطعن قوم منهم في تأمير أُسامة ، وقالوا : كيف يؤمّر علينا شاب لا نبات بعارضيه ، وقد طعنوا من قبل في تأمير أبيه ، وقد قالوا في ذلك وأكثروا النّقد ، حتّى غضب ( صلى الله عليه وآله ) غضباً شديداً ممّا سمع من طعنهم وانتقادهم ، فخرج ( صلى الله عليه وآله ) معصّب الرأس محموماً ، يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض - بأبي هو وأمّي - من شدّة ما به من لغوب ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : " أيّها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أُسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أُسامة فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله ، وأيم الله أنّه كان خليقاً بالإمارة ، وأنّ ابنه من بعده لخليق بها . . . " [1] . ثُمّ جعل ( صلى الله عليه وآله ) يحضّهم على التعجيل ، وجعل يقول : " جهّزوا جيش أُسامة ، أنفذوا جيش أُسامة أرسلوا بعث أُسامة " ، يكرّر ذلك على مسامعهم وهم متثاقلون ، وعسكروا بالجرف وما كادوا يفعلون . إنّ مثل ذلك يدفعني إلى أن أتساءل : ما هذه الجرأة على الله ورسوله ؟ ! وما هذا العقوق في حقّ الرسول الأكرم الذي هو حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم ؟ لم أكن أتصوّر - كما لا يمكن لأحد أن يتصوّر - تفسيراً مقبولا لهذا العصيان ، وهذه الجرأة ؟ ! وكالعادة ، عند قراءة مثل هذه الأحداث التي تمسّ كرامة الصحابة من قريب أو بعيد ، أحاول تكذيب مثل هذه القضايا وتجاهلها ، ولكن لا يمكن
[1] ورد بألفاظ مختلفة ، راجع : مسند أحمد 2 : 20 ، صحيح البخاري كتاب المغازي باب 89 ، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة في فضائل زيد وأسامة ، تاريخ دمشق لابن عساكر 8 : 59 - 62 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 : 154 ، السنن الكبرى للنسائي 5 : 53 ، وغيرها من المصادر .