وتكراراً التماس بعض الأعذار لعمر ، ولكنّ واقع الحادثة يأبى علي ذلك ، وحتّى لو أبدلتْ كلمة يهجر " والعياذ بالله " بلفظة " غلبه الوجع " فسوف لن نجد مبرّراً لقول عمر : " عندكم القرآن " ، و " حسبنا كتاب الله " . أو كان هو أعلم بالقرآن من رسول الله الذي أنزل عليه ؟ أم أنّ رسول الله لا يعي ما يقول - حاشاه - ؟ أم أنّه أراد بأمره ذلك أنّ يبعث فيهم الاختلاف والفرقة " أستغفر الله " ؟ ثُمّ لو كان تعليل أهل السنّة صحيحاً ، فلم يكن ذلك ليخفى على رسول الله حسن نيّة عمر ، ولشكره رسول الله على ذلك وقرّبه ، بدلا من أن يغضب عليه ويقول أخرجوا عنّي . وهل لي أن أتسائل لماذا امتثلوا أمره عندما طردهم من الحجرة النبوية ، ولم يقولوا بأنّه يهجر ؟ ألأنّهم نجحوا بمخطّطهم في منع الرسول من الكتابة ، فلا داعي بعد ذلك لبقائهم ، والدليل على أنّهم أكثروا اللغط والاختلاف بحضرته ( صلى الله عليه وآله ) ، وانقسموا إلى حزبين ، منهم من يقول : قرّبوا إلى رسول الله يكتب لكم ذلك الكتاب ، ومنهم من يقول : ما قال عمر ، أي إنّه " يهجر " [1] .
[1] انظر : صحيح البخاري كتاب المرضى باب 17 ، صحيح مسلم كتاب الوصية باب 5 ، دلائل النبوة للبيهقي 7 : 183 ، مسند أحمد 1 : 325 ، المصنف للصنعاني 5 : 438 ، السنن الكبرى للنسائي 3 : 433 ، السيرة النبوية لابن كثير : 451 ، الطبقات لابن سعد 2 : 244 . وجاء في مجمع الزوائد للهيثمي 4 : 391 ، 8 : 609 : " عن عمر قال : لما مرض النبي قال : ادعوا لي بصحيفة ودواة اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي أبداً ، فكرهنا ذلك أشدّ الكراهة ، ثمّ قال : ادعوا لي بصحيفة اكتب كتاباً لا تضلوا بعده أبداً . . . " ، وفي لفظ آخر أيضاً 4 : 309 ، 8 : 609 ، " عن جابر قال : إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده أبداً ، قال : فخالف عليها عمر بن الخطاب . . . " . قال السيد ابن طاووس في الطرائف : 435 " ومن طريف ما في هذا الحديث المذكور وأسراره أنّه يشهد انّ الطعن في قول نبيهم والردّ عليه والقدح فيه إنّما كان من عمر وحده ، وأنّه هو ابتدأ به ، بدليل قوله : " فقال قوم : القول ما قاله النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال قوم : القول ما قاله عمر " ، فما أطرف هذه الغفلة من القوم الذين قالوا القول ما قاله عمر ، إنّ هذا ممّا يبكي الأولياء ويضحك الأعداء " .