فليس من الانصاف الاعتماد على أقوالهم دون أقوال غيرهم من علماء المسلمين الذين اضطهدتهم تلك الحكومات وشرّدتهم وقتلتهم ، لأنّهم كانوا أتباع أهل البيت ، وكانوا مصدر تلك الثورات ضد السلطات الغاشمة والمنحرفة . والمشكل الأساسي في كلّ ذلك هو الصّحابة ، فهم الذين اختلفوا في أن يكتب لهم رسول الله ذلك الكتاب الذي يعصمهم من الضلالة إلى قيام السّاعة ، واختلافهم هذا هو الذي حرم الأمّة الإسلامية من هذه الفضيلة ، ورماها في الضلالة حتّى انقسمت وتفرّقت ، وتنازعت وفشلت وذهبت ريحها . وهم الذين اختلفوا في الخلافة ، فتوزعوا بين حزب حاكم وحزب معارض ، وسبّب ذلك تخلّف الأمة وانقسامها إلى شيعة علي وشيعة معاوية ، وهم الذين اختلفوا في تفسير كتاب الله وأحاديث رسوله ، فكانت المذاهب والفرق والملل والنحل [1] ، ونشأت من ذلك المدارس الكلامية والفكرية المختلفة ، وبرزت فلسفات متنوعة أملتها دوافع سياسية محضة تتصل بطموحات الهيّمنة على السلطة والحكم .
[1] قال محمّد أبو زهرة في كتابه " تاريخ المذاهب الإسلامية " : 13 : " ومن الأسباب الجوهرية التي أحدثت الخلاف السياسي : تعرّف من الذي يكون أولى بخلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حكم أُمته ، وقد انبعث ذلك النوع من الخلاف عقب وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) مباشرة . . . " . وقال في : 299 : " وإنّ الأخذ بأقوال الصحابة كان سبباً من أسباب اختلاف المذاهب من نواح ثلاث : الأولى : إنّ بعض الفقهاء كان إذا رأى قول صحابي استغنى بقوله عن الاجتهاد ، وبعض الفقهاء اعتبره حجّة أمام الحديث المروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذا كان لا يتصور إلاّ أنّه يكون نقلا . . . الثانية : إنّ الفقهاء يختلفون في الصحابي الذي يتبع . . وبمقدار الاختلاف فيما بينهم يكون اختلاف الذين يتبعونهم . الثالثة : إنّ بعض الفقهاء قرّروا أنّ الصحابة ليست أقوالهم حجّة " .