بدأت أنفر من الوهابية وأميل إلى الشيعة ، فتغيّر وجهه وقال لي : إيّاك أن تتكلّم مثل هذا الكلام مرّة أخرى ! وغادرني ولم يأكل معي ، وانتظرته طويلا حتّى غلبني النوم . وأفقت باكراً على أذان المسجد النبوي ، فرأيت أن الأكل لا يزال في مكانه كما تركته ، وعلمت بأنّ مضيفي لم يرجع ، وتشككت في أمره وخشيت أن يكون من المخابرات ، فنهضت مسرعاً وغادرت البيت بدون رجعة ، وقضيت كامل اليوم في الحرم النبوي أزور وأصلّي وأخرج لقضاء الحاجة والوضوء ، وبعد صلاة العصر سمعت أحد الخطباء يلقي درساً وسط جماعة من المصلّين ، واتجهت وعلمت من بعض الجالسين أنّه قاضي المدينة ، واستمعت إليه وهو يفسّر بعض آيات من الذكر الحكيم ، وبعد ما أتم درسه وهمّ بالخروج استوقفته وسألته قائلا : سيدي هل لك أن تعطيني مدلول الآية من قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [1] ، فمن هم أهل البيت المقصودون بهذه الآية ؟ أجابني على الفور : هم نساء النبي ، وقد بدأت الآية بذكرهنّ : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) . قلت له : إنّ علماء الشيعة يقولون بأنّها خاصّة بعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وقد اعترضت عليهم طبعاً وقلت : بأنّ بداية الآية تقول : ( يا نساء النبي ) ؟ فأجابوني لمّا كان الكلام عليهنّ جاءت الصيغة كلّها بنون النسوة ، فقال تعالى : ( لستنّ ) ، ( إن اتقيتنّ ) ، ( فلا تخضعن ) ، ( وقلن ) ، ( وقرن في بيوتكنّ ) ، ( ولا تبرّجن ) ، ( وأقمن الصلاة ) ، ( وآتين الزكاة ) ، ( وأطعن الله ورسوله ) ، ولمّا كان هذا المقطع من الآية خاصاً بأهل البيت تغيرت الصيغة .