] الذهاب إلى كربلاء [ جاء صديقي منعم وسافرنا إلى كربلاء ، وهناك عشت محنة سيدنا الحسين كما يعيشها شيعته ، وعلمت وقتئذ بأنّ سيدنا الحسين لم يمت ، فالنّاس يتزاحمون ويتراصّون حول ضريحه كالفراشات ، ويبكون بحرقّة ولهفة لم أشهد لهما مثيلا ، فكأنَّ الحسين استشهد الآن . وسمعت الخطباء هناك يثيرون شعور الناس بسردهم لحادثة كربلاء في نواح ونحيب ، ولا يكاد السامع لهم أن يمسك نفسه ويتماسك حتّى ينهار ، فقد بكيت وبكيت وأطلقت لنفسي عنانها ، وكأنّها كانت مكبوتة ، وأحسست براحة نفسية كبيرة ما كنت أعرفها قبل ذلك اليوم ، وكأنّي كنت في صفوف أعداء الحسين ، وانقلبت فجأة إلى أصحابه واتباعه الذين يفدونه بأرواحهم . وكان الخطيب يستعرض قصّة الحرّ [1] ، وهو أحد القادة المكلّفين بقتال الحسين ، ولكنّه وقف في المعركة يرتعش كالسّعفة ، ولمّا سأله بعض أصحابه : أخائف أنت من الموت ؟ أجابه الحرّ : لا والله ، ولكنّني أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار ، ثمّ همز جواده وانطلق إلى الحسين قائلا : هل من توبة يا بن رسول الله [2] .
[1] الحر بن يزيد التميمي اليربوعي : ترجمه الزركلي في الأعلام 2 : 172 فقال : " قائد ، من اشراف تميم ، أرسله الحصين بن نمير التميمي في ألف فارس من القادسية لاعتراض الحسين - رضي الله عنه - في قصده الكوفة ، فالتقى به . ولمّا أقبلت خيل الكوفة تريد قتل الحسين وأصحابه أبى الحرّ أنّ يكون فيهم ، فانصرف إلى الحسين ، فقاتل بين يديه قتالاً عجيباً حتّى قتل " . وفي الأعيان 4 : 612 : " وفي أبصار العين : كان الحرّ شريفاً في قومه ، جاهلياً وإسلامياً ، فإنّ جدّه عتاب كان رديف النعمان ، وولد عتاب قيساً وقنبعاً ومات ، فردف قيس للنعمان ونازعه الشيبانيون ، فقامت بذلك حرب يوم الطحفة . قال : الحر هو ابن عمّ الأخوص الصحابي الشاعر ، وهو يزيد بن عمرو بن قيس ابن عتاب " . [2] راجع تاريخ الطبري 5 : 427 ، الكامل لابن الأثير 4 : 64 ، البداية والنهاية لابن كثير 8 : 125 ، الأخبار الطوال : 256 ، لواعج الأشجان : 135 ، وغيرها من المصادر .