فغمزته واستدركت قائلا : بل تعلمت أشياء جديدة حتّى من هؤلاء الصبيان ، وتمنيت لو أتيحت لي الفرصة وتعلّمت مثلهم في الحوزة العلمية هنا . قال ( السيّد ) : أهلا وسهلا ، إن كنت تريد طلب العلم فالحوزة على ذمّتك ، ونحن في خدمتك ، ورحّب الحاضرون بهذا الاقتراح ، وخصوصاً صديقي منعم الذي تهلّل وجهه . قلت : أنا متزوّج وعندي ولدان ، قال : نحن نتكفّل بكُلّ مستلزماتكم من سكن ومعاش وكُلّ ما تحتاجون إليه ، والمهمّ هو طلب العلم ، فكرت قليلا وقلت في نفسي : ليس من المعقول أن أصبح تلميذاً بعد ما قضيت خمس سنوات وأنا أستاذ أمارس التعليم وتربية النشأ ، وليس من السهولة أن أتخذ قراراً بمثل هذه السرعة . شكرت السيّد الخوئي على هذا العرض وقلت : سوف أفكّر في الموضوع بجدّ بعد رجوعي من العمرة بحول الله ، ولكنّي في حاجة إلى بعض الكتب ، فقال السيّد : أعطوه الكتب . ونهض جمع من العلماء وفتحوا عدّة خزانات وما هي إلاّ لحظات حتّى وجدت أمامي أكثر من سبعين مجلداً ، فكُلّ واحد جاءني بدورة من الكتب وقال : هذه هديّتي ، ورأيت أنّه لا يمكنني حمل هذا العدد الكبير معي ، خصوصاً وأنّي متوجّه إلى السعودية الذين يمنعون دخول أيّ كتاب إلى بلادهم ، خوفاً من تفشّي بعض العقائد التي تخالف مذهبهم ، ولكنّي ما أردت التفريط بهذه الكتب التي لم تر عيني مثلها في سابق حياتي . فقلت لصديقي وللحاضرين بأنّ طريقي طويل يمرّ بدمشق والأردن إلى السعودية ، وفي العودة سيكون أطول ، فسأمرّ بمصر وليبيا حتّى الوصول إلى تونس ، وزيادة على ثقل الحمل فإنّ أغلب الدول تمنع دخول الكتب .