فقال السيّد : أترك لنا عنوانك ونحن نتكّفل بإرسالها إليك ، واستحسنت هذا الرأي وأعطيته بطاقة شخصيّة بها عنواني في تونس ، وشكرت فضله . ولما ودّعته ونهضت للخروج ، نهض معي قائلا : أسأل الله لك السّلامة ، وإذا وقفت على قبر جدّي رسول الله فبلّغه منّي السلام ، وتأثّر الحاضرون وتأثّرت كثيراً وأنا أنظر إلى عينيه تدمعان ، وقلت في نفسي : حاشى لله أن يكون هذا من المخطئين ، حاشى لله أن يكون هذا من الكاذبين . . إنّ هيبته وعظمته وتواضعه تنبئ حقاً أنّه من سلالة الشرف ، فما كان منّي إلاّ أن أخذت يده وقبّلتها رغم ممانعته . وقام الجميع لقيامي وسلّموا عليّ ، وتبعني بعض الصبية من الذين كانوا يجادلونني ، وطلبوا منّي عنواني للمراسلة ، فأعطيتهم إيّاه . اتجهنا من جديد إلى الكوفة بدعوة أحد الذين كانوا في مجلس السيّد الخوئي ، وهو صديق منعم اسمه ( أبو شبّر ) ، نزلنا في بيته وسهرنا ليلة كاملة مع مجموعة من الشباب المثقّفين ، وكان من بينهم بعض طلبة السيّد محمّد باقر الصدر ، فأشاروا عليّ بمقابلته وتعهّدوا بأنّهم سيرتبون لقائي مع حضرته في اليوم التالي . واستحسن صديقي منعم هذا الاقتراح ولكنّه تأسّف لعدم إمكانية حضوره ، لأنّ له شغل في بغداد يستلزم حضوره ، واتفقنا على أن أبقى في بيت السيّد أبو شبّر ثلاثة أو أربعة أيّام ريثما يعود منعم ، الذي غادرنا بعد صلاة الفجر ، وقمنا نحن للنوم . وقد استفدت كثيراً من طلبة العلوم الذين سهرت معهم ، وتعجّبت من تنوّع العلوم التي يتلقّونها في الحوزة ، فهم زيادة على العلوم الإسلامية من فقه ، وشريعة ، وتوحيد يدرسون العلوم الاقتصادية ، والعلوم الاجتماعية والسياسية ، والتاريخ ، واللغات ، وعلوم الفلك وغير ذلك . . .