التي رسمها في ذهني بلاط الرشيد والمأمون مؤسّس دار الحكمة التي كان يقصدها طلاب العلوم المختلفة من الغرب أيّام ازدهار الحضارة الإسلامية . أضف إلى ذلك فهي بلاد القطب الرباني والشيخ الصمداني سيدي عبد القادر الجيلاني ، الذي ملأ صيته الأقطار كُلّها ، ودخلت طريقته كلّ قرية ، وعلت همّته كلّ همّة ، فها هي عناية جديدة من الله لتحقيق هذا الحلم . . وبدأت أتخيّل وأسبح في بحر الخيال والآمال حتّى أيقظني مذياع الباخرة وهو ينادي المسافرين إلى التوجّه للمطعم لتناول العشاء . ذهبت صوب المكان المذكور فإذا الناس يتزاحمون كعادتهم في كلّ تجمّع ، وكلّ واحد يريد الدخول قبل غيره ، وكثر الصياح والهرج ، وإذا بالشيعي يمسك بثوبي ليسحبني بلطف إلى الخلف وهو يقول : تعال يا أخي لا تتعب نفسك ، فسوف نأكل فيما بعد بدون زحمة ، وقد فتشت عنك في كلّ مكان ، ثمّ سألني : هل صليت ؟ قلت : لم أصلّ بعد . فقال : إذا تعال نصلي ثُمّ نأتي للأكل ، وقد خلص هؤلاء من الزّحام والصياح . استحسنت رأيه وصاحبته إلى مكان خال من الناس حيث توضّأت وقدّمته ليصلّي إماماً قصد اختباره كيف يصلّي على أن أعيد صلاتي فيما بعد ، وما إن أقام الصلاة لأداء فريضة المغرب واسترسل في القراءة والدّعاء حتّى غيرت رأيي ، وتخيّلت بأنّي مأمومٌ بأحد الصحابة الكرام الذين أقرأ عنهم وعن ورعهم وتقواهم ، وبعد فراغه من الصلاة ، أطال الدعاء ولم أسمع قبلا هذه الأدعية في بلادنا ولا في البلاد التي عرفتها ، وكنت أطمئنّ وأرتاح كلّما سمعته يصلّي على محمّد وآله ويثني عليه بما هو أهله .