وقد كنتُ رسمت له صورة خيالية حسب الكرامات والمعجزات التي رسّخها في ذهني وكيل الشيخ وأتباعه ، ورأيت شيخاً عادياً ليس فيه وقار ولا هيبة ، وخلال المجلس قدّمني الوكيل إليه فرحّب بي وأجلسني على يمينه وقدم إلي الطعام ، وبعد الأكل والشرب بدأت الحضرة ، وقدمني الوكيل من جديد لأخذ العهد والورد من الشيخ ، وهنّأني الجميع بعد ذلك معانقين ومباركين . وفهمت من خلال حديثهم بأنّهم يسمعون عنّي الكثير ، وقد دفعني هذا الإعجاب إلى أن أعترض على بعض أجوبة الشيخ التي كان يلقيها على السائلين ، وأعلّل رأيي بالقرآن والسنة ، واستاء بعض الحاضرين من هذا التطفّل واعتبروه سوء أدب في حضرة الشيخ ، وقد اعتادوا أن لا يتكلّموا بحضرته إلاّ بإذنه ، وأحسّ الشيخ بحرج الجالسين ، فأزاح تلك السّحابة بلباقة وأعلن قائلا : " من كانت بدايته محرقة تكون نهايته مشرقة " ، واعتبر الحاضرون أنّ هذا وساماً من حضرته ، وسوف يكون أكبر ضمان لنهايتي المشرقة وهنّأوني بذلك . ولكنّ شيخ الطريقة ذكيّ ومدرّب لم يترك لي المجال مفتوحاً لمواصلة هذا التطفّل المزعج ، وروى لنا قصة أحد العارفين بالله عندما جلس في حلقته بعض العلماء ، قال له : قم فاغتسل ، وذهب العالم واغتسل وجاء ليجلس في الحلقة ، فقال له ثانية : قم فاغتسل ، وذهب العالم وعاود الغسل كأحسن ما يكون ظنّاً منه بأنّ الغسل الأوّل لم يكن على الوجه الصحيح ، وجاء ليجلس فانتهره الشيخ العارف وأمره بالاغتسال من جديد ، فبكى العالم وقال له : يا سيدي لقد اغتسلت من علمي ومن عملي ولم يبق عندي إلاّ ما يفتح الله به على يديك ! عند ذلك قال له العارف : الآن اجلس . وعرفت بأنّي أنا المقصود من هذه القصة ، كما عرف ذلك الحاضرون الذين لاموني بعد خروج الشيخ للاستراحة ، وأقنعوني بالسّكوت ولزوم الاحترام بحضرة الشيخ صاحب الزمان لئلا تحبط أعمالي ، مستدلّين