حتّى خرجوا سالمين وأغرق الله فرعون وجنوده ، وهذه من أكبر المعجزات التي سجّلها تاريخ البشريّة ، ولكنّ أصحاب موسى لم تخشع قلوبهم لذكر الله وما رأوه من الحقّ فطلبوا من نبيّهم أن يجعل لهم صنماً يعبدونه ; قال تعالى في حقّهم : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْم يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَام لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) [1] . ولا شكّ أن موسى وهارون عملا كلّ ما في وسعهما لهدايتهم إلى صراط الله المستقيم ، ولكنّهم قابلوا الإحسان بالإساءة ، والهداية بالضّلالة ، وبمجرّد غياب موسى عنهم أربعين ليلة لميقات ربّه كفروا بالله ، واتّخذوا العجل لهم رباً يعبدونه من دون الله ، وتآمروا على هارون رسول الله إليهم ، وكادوا يقتلونه ، فهل كان موسى يعرف السّامري ؟ فلماذا صاحبه ؟ فالسؤال هو نفس السؤال والجواب عليه هو نفس الجواب . وهذا عيسى رسول الله إلى بني إسرائيل - رغم المعجزات المتعدّدة من شفاء الأعمى والأبرص والأبكم وإحياء الموتى ، ورغم أنه كلّمهم في المهد بكلام الأنبياء - لم يؤمن له من قومه إلاّ اثني عشر من أصحابه ، كان أحدهم خائناً له وعمل على قتله ، فلم يطرده عيسى من مجلسه ، ولم يأمر أصحابه بقتله ، بل سكت عليه ولم يفضحه ، وكان يقول لهم : إنّ منكم واحد سيخونني ، ويعمل على قتلي ، دون ذكر اسمه . وهذا محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يكتشف خيانة أحد المنافقين من أصحابه ، ويقوم عمر ليضرب عنقه ، ولكنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يمنعه من ذلك قائلاً : " دعه لا يتحدّث النّاس أنّ محمّداً يقتل أصحابه " [2] .
[1] الأعراف : 138 . [2] مسند أحمد 3 : 355 و 393 ، صحيح البخاري 6 : 66 ، كتاب التفسير . سورة المنافقين ، صحيح البخاري 6 : 67 ، كتاب التفسير ، سورة الطلاق ، صحيح مسلم 8 : 19 ، كتاب البر والصلة باب نصر الأخ ، سنن الترمذي 5 : 90 ، السنن الكبرى للبيهقي 9 : 32 ، مجمع الزوائد 1 : 109 ، المصنف للصنعاني 9 : 469 ، مسند الحميدي 2 : 520 ، كتاب السنة لابن أبي عاصم : 585 ، وغيرها من المصادر .