كما سجّل عليهم سبحانه قول الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) [1] ، فالذين هجروا القرآن هم المؤمنون به وليسوا الكافرين به . ألم تروا أنّ الله سبحانه لم يقل : ألم يأن للّذين كفروا - أو ألم يأن للمنافقين - بل قال : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ ) ، فدلّت الآية على عدم خشوع قلوب المؤمنين لذكر الله رغم إيمانهم به سبحانه وتعالى . * * ثُمّ سألتم بقولكم : " ثم ما معنى الآية التي تقول ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَل لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ ) [2] فلا معنى إن لم تؤثّر على من لازم الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كظلّه مثل أبي بكر . . . " * الجواب : معناها أن قلوب البشر لم تخشع للقرآن الكريم الذي لو أنزله الله على جبل لتخشّع وتصدّع خوفاً من الله ، ولكن الإنسان لم يخشع ولم يخف من الله سبحانه وذلك كقول الله تعالى في آية أُخرى : ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِل عَمَّا تَعْمَلُونَ ) [3] . وهو نظير قوله تعالى : ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) [4] .
[1] سورة الفرقان : 30 . [2] سور الحشر : 21 . [3] سورة البقرة : 74 . [4] سورة الأحزاب : 72 .