عن همام ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « لا تكتبوا عنّي ، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه ، وحدّثوا عنّي ولا حرج . . . » ( 1 ) . والغرض من وضع هذا الحديث ، هو تبرير ما فعله أبو بكر وعمر اتّجاه الأحاديث النبويّة التي كتبها بعض الصحابة ودوّنوها ، وقد وُضع هذا الحديث في زمن متأخّر عن الخلفاء الراشدين ، وغفل الوضّاعون الكاذبون عن الأُمور التالية : أ : لو قال هذا الحديث صاحب الرسالة لامتثل أمره الصحابة الذين كتبوا عنه ، ولمحوه قبل أن يتولّى أبو بكر وعمر حرقها بعد سنوات عديدة من وفاة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . ب : لو كان هذا الحديث صحيحاً لاستدلّ به أبو بكر أولا ، ثمّ عمر ثانياً ، لتبرير منعهما كتابة الأحاديث ومحوها ، ولاعتذر أُولئك الصحابة الذين كتبوها إمّا جهلا وإمّا نسياناً ( 2 ) .
1 - صحيح مسلم 8 : 229 ، ( كتاب الزهد والرقائق ، باب التثبّت في الحديث وحكم كتابة العلم ) . 2 - قال محمّد أبو زهرة في كتابه ( الحديث والمحدّثون ) : 233 : « إنّ امتناع بعض الصحابة عن كتابة الحديث ومنعهم منه لم يكن سببه نهي النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن كتابة الحديث ; بدليل أنّ الآثار الواردة عنهم في المنع أو الامتناع من كتابة الحديث لمن ينقل فيها التعليل بذلك ، وإنّما كانوا يعلّلون بمخافة أن يشتغل الناس بها عن كتاب اللّه ، أو بمخافة أن يهمل الناس الحفظ اعتماداً على الكتابة ، أو لغير ذلك من الأغراض » .