معاوية عرف كيف يستميلهُ ، فأرسل إليه مائة ألف درهم فقبلها ، فلمّا ذكر له البيعة لابنه يزيد قال ابن عمر : هذا ما أراد ؟ إنّ ديني إذن عليّ لرخيص ( 1 ) . نعم ، لقد باع عبد الله بن عمر دينه بثمن رخيص ، كما شهد بذلك على نفسه ، وهرب من بيعة إمام المتّقين ، وأسرع لبيعة إمام الباغين معاوية ، وإمام الفاسقين يزيد ، وكما تحمّل أوزار تلك الجرائم التي سبّبها حكم معاوية الظّالم ، فإنّه يتحمّل بلا شكّ أوزار جرائم يزيد ، وعلى رأسها انتهاك حُرمة رسول الله ، وقتل ريحانته سيّد شباب أهل الجنّة ، وعترة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والصالحين من أبناء الأُمّة الذين قتلهم في كربلاء وفي وقعة الحرّة . ولم يكتفِ عبد الله بن عمر بهذا الحدّ من البيعة إلى يزيد فحسب ، بل عمل على حمل الناس عليها وردّهم إليها ، وخوّف كلّ من تحدّثه نفسه بالخروج عليها . فقد أخرج البخاري في صحيحه وغيره من المحدّثين ، بأنّ عبد الله بن عمر جمع ولده وحشمه ومواليه ، وذلك عندما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية فقال لهم : إنّا بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله ( 2 ) ، وإنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : إنّ الغادر ينصبُ له لواء يوم القيامة فيقال : هذه غدرة فلان ، وإنّ من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع رجلٌ رجلا على بيع الله
1 - الغدير 10 : 230 عن الطبري 6 : 169 ، والكامل لابن الأثير 3 : 214 وفي البداية والنهاية 9 : 5 مختصراً . 2 - هل أمر الله ورسوله ببيعة الفسّاق والمجرمين ؟ أمّ أنّه أمر ببيعة أوليائه الصالحين فقال : ( إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) ( المؤلّف ) .