وقد بقيَ بغضها لولده من بعده إلى أن منعتْ أن يُدفن الإمام الحسن بجانب جدّه ، وخرجتْ تصيحُ راكبة على بغلة تستنفر بني أُميّة وتستعين بهم على بني هاشم قائلة : لا تدخلوا بيتي من لا أحبّ ، وأرادتْ أنْ تشعل حرباً أُخرى ، حتى قال لها بعض أقاربها : « ألا يكفينا يوم الجَمَل الأحمر حتّى يُقال يوم البغلة الشهباء » ( 1 ) . وهي بلا شكّ واكبتْ مسيرة كبيرة من حكم بني أُميّة ، وسمعتهم يلعنون عليّاً وأهل البيت على المنابر ، فما أنكرت ذلك ولا نهتْ عنه ، ولعلّها كانتْ تشجّع على ذلك من طرف خفي . فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده قال : جاء رجلٌ فوقع في علي وعمّار عند عائشة ، فقالت : أمّا علي فلستْ قائلة لك فيه شيئاً ، وأمّا عمّار فإنّي سمعتُ النبيّ يقول فيه : « لا يُخيّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما » ( 2 ) . فلا نستغرب إذاً من عائشة إذا أماتتْ سنّة النبيّ ، وأحيتْ بدعة عثمان في إتمام الصلاة لإرضاء معاوية ، وحكّام بني أُميّة الذين كانوا يتبعونها في حلّها وفي ترحالها ، ويمجّدونها ويأخذون الدّين عنها . كما أنّ عائشة كانتْ تفتي لهم برضاعة الكبير ، وكانت ترى أنّ الرجال يمكنهم أن يرضعوا من النساء ، فيصبحوا بذلك من محارمهنّ ( 3 ) .
1 - تهذيب التهذيب 6 : 10 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 225 . 2 - مسند الإمام أحمد بن حنبل 6 : 113 ، تاريخ دمشق 43 : 407 . 3 - قد وفينا البحث في هذه المهزلة في كتاب ( لأكون مع الصادقين ) في باب خلاف عائشة مع بقية أزواج النبيّ ( المؤلّف ) .