والحقد وقفا حائلا بينه وبين الحقّ ، فبقي حائراً مُتحيّراً بين ضمير يوبّخه ويوقظ فيه شعلة الإيمان ، وبين نفس مريضة أقعدتها عاداتُ الجاهلية فصغتْ لضغنها ، وتغلّبتْ نفس سعد الأمّارة بالسّوء على ضميره ، فتردّتْ به وأقعدته عن نصرة الحقّ . والدّليل على ذلك ما أخرجه المؤرّخون عن مواقفه المحيّرة ، ذكر ابن كثير في تاريخه قال : « دخل سعد بن أبي وقّاص على معاوية بن أبي سفيان فقال له : مالك لم تُقاتل عليّاً ؟ قال سعد : إنّي مرّتْ بي ريحٌ مظلمة فقلت : أخ ، أخ وانخت راحلتي حتّى انجلتْ عنّي ، ثمّ عرفتُ الطّريق فسرتُ . فقال معاوية : ليسَ في كتاب الله أخ ، أخ ، ولكن قال الله تعالى : * ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) * ( 1 ) ، فوالله ما كنتَ مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة على الباغية . فقال سعد : ما كنت لأقاتل رجُلا قال له رسول الله : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي » . فقال معاوية : مَن سمع هذا معك ؟ ! فقال : فلان وفلان وأُمّ سلمة ، فقام معاوية فسأل أُم سلمة ، فحدّثتهُ بما حدّث سعد ، فقال معاوية :