وهل يشك مسلم عرف القرآن والسنّة ، وعرف التاريخ الإسلامي بأنّ الشيعة الذين يقلّدون عترة النبيّ ويوالونهم هم أتباع السنّة النبويّة ، وليس لأحد غيرهم أن يدّعيها ؟ أرأيت أيّها القارئ العزيز كيف تقلب السياسة الأُمور ، وتجعل من الباطل حقّاً ومن الحقّ باطلا ! فإذا بالموالين للنبي وعترته تُسمّيهم بالروافض وبأهل البدع ، وإذا بأهل البدع الذين نبذوا سنّة النبيّ وعترته ، واتبعوا اجتهاد الحكّام الجائرين تسميهم « أهل السنّة والجماعة » ! إنّه حقّاً أمر عجيب ! أمّا أنا فأعتقد جزماً بأنّ قريش هي وراء هذه التسمية ، وهو سرّ من أسرارها ، ولغز من ألغازها . وقد عرفنا في ما سبق بأنّ قريشاً هي التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابة السنّة النبويّة بدعوى أنّ النبيّ غير معصوم . فقريش هي في الحقيقة أشخاص معيّنون ، لهم نفوذ وعصبية وقوّة معنوية في أوساط القبائل العربية ، وقد يُسميهم بعض المؤرّخين ب « دهاة العرب » ; لما اشتهروا به من المكر والدهاء والتفوّق في إدارة الأُمور ، ويسمّيهم البعض ب « أهل الحلّ والعقد » . ومن هؤلاء أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وأبو سفيان ، ومعاوية ابنه ، وعمرو ابن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومروان بن الحكم ، وطلحة بن عبد الله ، وعبد الرحمان بن عوف ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح وغيرهم ( 1 ) .
1 - لقد استثنينا من هؤلاء الإمام علياً ( عليه السلام ) لأنه يُفرِّقُ بين دهاء الحكمة وحُسن التدبير وبين دهاء الخداع والغش والنفاق ، وقد قال غير مرّة : « لولا الغشّ والنفاقُ لكنتْ أدهى العرب » كما جاء في القرآن قوله : * ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) * فمكر الله هو الحكمة وحسن التدبير ، أمّا مكر المشركين فهو غش ونفاق وخداع وزور وبهتان ( المؤلّف ) .