معاوية مع وفاق الناس له حجة في الباب " [114] . وقال : " وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه ، فليسوا ممن تأخذهم في الحق هوادة ، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق ، فإنهم أجل من ذلك ، وعدالتهم مانعته منه " [115] . ثم قال في شأن ابن عمر : " وفرار عبد الله بن عمر من ذلك إنما هو محمول على تورعه من الدخول في شئ من الأمور مباحا كان أو محظورا ، كما هو معروف عنه " . لنتوقف إذن عند حقيقة الوقائع التي عاصرت لحظة العهد ليزيد ، لنتبين إذا ما كانت الأمور تتم من خلال هذا الوازع ووفق هذا التدبير . ابن خلدون ينقل في مقام آخر كلاما لمعاوية نفسه جاء فيه : " فلم يمض إلا قليلا حتى ازداد به مرضه ، فدعا ابنه يزيد وقال : يا بني إني قد كفيتك الرحلة والترحال ، ووطأت لك الأمور ، وأخضعت لك رقاب العرب . وجمعت لك ما لم يجمعه أحد [116] " . تلك هي الكلمة التي قالها معاوية ، وهي تعكس البعد القهري في انتزاع البيعة لابنه ، فكيف تم إخضاع الرقاب ليزيد ؟ . يستحسن عندنا بادئ ذي بدأ ، ذكر من عارض بيعة يزيد لنسخ دعوى اجتماع كبار الصحابة وإقرارهم على تلك البيعة ، وسنبدأ بعبد الله بن عمر الذي اعتبر بن خلدون فراره محمولا على الورع المعروف عنه . يذكر اليعقوبي إنه لما حج معاوية وحاول أخذ البيعة من أهل مكة والمدينة ، أبى عبد الله بن عمر وقال : نبايع من يلعب بالقرون والكلاب ويشرب الخمر ويظهر
[114] نفس المصدر ص 222 ج 1 . [115] نفس المصدر ص 222 . [116] نفس المصدر ص 22 ج 3 .