ولذلك لم يكن يجد حجة مناهضة في تبرير عدم تضارب الملك مع النبوة والخلافة في مثال ملك معاوية ، بل ارتكز على ضرب متهالك من القياس ، القياس مع الفارق ! " أما الملك الذي هو الغلبة والقهر بالعصبية والشوكة فلا ينافي الخلافة والنبوة ، فقد كان سليمان بن داود وأبوه صلوات الله عليهما نبيين وملكين وكلنا على غاية الاستقامة " . فابن خلدون كان يجهل أو يتجاهل أن هذا قياس لا أساس ينهض به في مقام الحجية ، لأن ملك داود وسليمان هو مما آتاهم الله إياه من دون غلبة أو عصبية ، وإنه لم يكن في مقاومة أناس ربيين ، أو سفك الدماء المؤمنة ، أو سب الرموز الدينية ، ومعاوية بن أبي سفيان ، ممن أجرى أودية من الدماء كان ضحيتها جيل كامل من المسلمين ، وإنه أقام ملكه على محاربة رموز الإيمان ومنازلة التراث الديني ، وحسبك أن يعترف ابن خلدون بقيمة أهل البيت في مقام آخر حين اقتضى ذلك منمه التبرير ، وقد كان معاوية شديدا عليهم ، يقول ابن خلدون ، متزلفا إلى الدولة الشريفية في المغرب ومدغدغا لمشاعرها : " على أن تنزيه أهل البيت عن مثل هذا من عقائد أهل الإيمان ، فالله سبحانه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . ففراش إدريس طاهر من الدنس ومنزه عن الرجس بحكم القرآن . ومن اعتقد خلاف هذا فقد باء بإثمه وولج الكفر من بابه " . ولا يهمنا هنا إن كان ابن خلدون قال ذلك في لحظة الدفاع عن مآرب أخرى . كأن يركز على طهارة المنسب ورفعته في عصمة بعض الخلفاء من القيام بما ذكره المؤرخون في أحوالهم كالرشيد والمأمون . إن ذلك عندي من باب " صلى وصام لأمر يطلبه ، فلما قفى الأمر فلا صلى ولا صاما " . ولكنها تبقى شهادة منه تؤكد على عظمة شأن أهل البيت وعصمة القرآن لهم ، وهذا لم يمنعه من أن يبرر ملك معاوية الذي قام على قتال وحصار أهل البيت ( ع ) . حتى أن ابن خلدون أنهى كلامه في كل تلك الأحداث بمدح معاوية والدعاء قائلا : " والله يحشرنا في زمرتهم ويرحمنا بالاقتداء بهم " . لقد أسس ابن خلدون موقفه من معاوية على أساس النسب والشرع ،