و ( لن ) في الآية الكريمة تفيد الامتناع في الرؤية ذلك لأنها علقت على استقرار الجبل بعد التجلي ، وأيضاً قول موسى ( سبحانك ) يفيد تنزيه الله سبحانه والتنزيه في هذه الآية في الرؤية ويعني ذلك أن الرؤية نقص وهو محال بحق الرب تعالى . أما دعوى التقييد بالدنيا بعد التسليم كون ( لن ) للتأبيد فغير وارد لأن سياق الآية لا يقبل التقييد أو التخصيص وذلك لأن سبب لتفي واحد وهو التنزيه ، في قوله ( سبحانه ) والتنزيه لا يقيد بزمن . هذا إلى أن هناك كثيراً من الآيات تنفي الرؤية عن الله سبحانه بكل وضوح وصراحة ، ونكتفي في هذا المقام باستعراض آية واحدة هي أكثر ظهوراً في الأمر . قال تعالى : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) الأنعام 103 . 1 - ( الإدراك مفهوم عام لا يتعين في البصر أو السمع أو العقل إلا بإضافته إلى الحاسة التي يراد منه السماع ولأجل ذلك لو قال قائل : أدركته ببصري وما رأيته ، يكون تناقض ) ( 1 ) . 2 - ( تمدَّح تعالى بنفي إدراك الأبصار له ، فيكون إثباته له نقصاً ) ( 2 ) . 3 - إن ( لا تدركه ) مطلقة في الدنيا والآخرة ، و ( الأبصار ) عامة لأنها جمع محلى بألف ولام ، فتشمل جميع الخلق لعدم جواز الاستثناء وهو الظاهر . وقد تهرب أبو الحسن الأشعري من هذه الآية بقوله يحتمل أن يكون ( لا تدركه ) في الدنيا وتدركه في الآخرة ، لأن رؤية الله أفضل اللذات ،
1 - الملل و النحل ، للسبحاني ج 2 ص 221 . 2 - الفاضل البغدادي السيوري ، النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ص 57 .