أما بقية الوجوه فما هي إلا احتمالات لا يعول عليها ، وباب الاحتمال واسع حتى في أوضح النصوص ، فلذلك لا يؤخذ إلا بالاحتمال العقلائي الناقض للحجة ، لا مطلق ما يرد في الذهن . . هذا أولاً . وثانياً : إن بين أيدينا نصاً ينبغي النظر فيه أولاً ثم البحث عما يعارضه أو يقيده أو يخصصه في نص آخر أو دلالة عقلية واضحة . أما التساؤل ، لِمَ لم يقل ( لست بمرئي ) للدلالة على الامتناع بدلاً عن ( لن تراني ) فسؤال غير وجيه ، لأنه إن سلمنا بدلالة ( لست بمرئي ) أظهر في الامتناع ، إلا أنه ( لن تراني ) تفيد ذلك ، والذي ينبغي النظر فيه هو مدلول ( لن تراني ) هل تفيد الامتناع أم لا ؟ ثم ليبحث من شاء في حكمة اختيار ( لن تراني ) والحق أن ( لن ) تؤكد وتؤبد النفي ، لكن تأبيد النفي يكون بحسب متعلقه فتكون مؤبدة في متعلقها ( محمولها ) مثل قوله تعالى : ( فلن أكلم اليوم إنسيا ) مريم . فالتأبيد هنا متعلق على اليوم ، أي مؤبد في هذا اليوم ، كما أن التأبيد يكون عاماً بحسب متعلقه ولا يشمل غيره ، مثل ( ولن يتمنونه أبداً ) فلمن تفيد التأبيد و ( أبدا ) مؤكد لهذا التأبيد ، رغم هذا هي مختصة بالدنيا بقرينة ( بما قدمت أيديهم ) هذا إذا كانت لن التأبيدية متعلقة بزمن ، وتفيد الديمومة إذا لم تعلق بزمن . أما قول الناس : لن أفعل ، ثم يفعل ، فلا ينبغي الاستشهاد به لأن هذا الأمر لا دخل له بفعل ( لن ) التي تفيد التأبيد وإنما يتعلق بإرادة القائل والظروف المحيطة بالفعل .