حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها . إنه لم يخف الله من لم يعلم عن الله ، ومن لم يعقل عن الله ، لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة ببصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقاً وسره لعلانيته موافقاً . لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه . يا هشام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ماعُبد الله بشيء أفضل من العقل ، وما تم عقل امرئ حتى يكون فيه خصال شتى : الكفر والشرك منه مأمونان ، والرشد والخير منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفول ، ونصيبه من الدنيا القوت ، لا يشبع من العلم دهره ، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره ، والتواضع أحب إليه من الشرف ، استكثر قليل المعروف من غيره واستقل كثير المعروف من نفسه ، ورأى الناس كلهم خيراً منه ، وأنه شرهم في نفسه وهو تمام الأمر . يا هشام : إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه . يا هشام : لا دين لمن لا مروءة له ، ولا مروءة لمن لا عقل له ، وإن أعظم الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً ، أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها . يا هشام : إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول : إن علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سُئل ، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق .