حجية له ، وإن كان في العقل قدر من الحجية فإنما هي مستمدة من الشرع ، وما كان هذا الرأي المتطرف إلا ردة فعل عن منهج المعتزلة الذي يعتبر ان حجية العقل ذاتية ، وأن الدليل السمعي الذي لا يوافقه العقل القيمة له ، وقد علمت أن المعتزلة قد أخذوا الناس بالجبر في عهد المأمون والمعتصم والواثق لقبول منهجهم وقد ابتلوا أهل الحديث خاصة بأنواع العذاب مما سبب لهم موقفاً خاصاً من المنهج العقلي ، وإلا ما هو دليلهم في العزوف عن العقل وجمودهم على ظاهر النصوص ؟ ! وما حدث من الشد والجذب بين المعتزلة والحنابلة قطع بينهم أسلوب التفاهم للوصول إلى نقاط مشتركة ، فحافظ كل كيان على منهجه وتعصب له ، ولا يمكن حل هذه المشكلة الجوهرية التي ينبني عليها فهم الدين ومعتقداته إلا باكتشاف معيار ثابت يتفق عليه الجميع حتى يكون قاسماً مشتركاً في التفكير والتعامل مع الدين . ينقل المؤلفان ، حنا الفاخوري ، وخليل الجر : ( وهناك نوعان من البرهان العقلي الذي لا يستند إلا إلى العقل ومبادئه ، والبرهان السمعي الذي يستند إلى القرآن والحديث والاجماع ، وفيما نرى المعتزلة لا يعترفون إلا بقيمة الأول ، ويعتبرون أن كل برهان سمعي لا يدعمه العقل مردود ، يظل المتكلمون وعلى رأسهم الأشاعرة يؤكدون أن البراهين العقلية لا قيمة لها غلا لأن الشرع يأمر بها ، وأن العقل لا قيمة له في ذاته بل فيما يستمده من الشرع ) ( 1 ) . فانظر إلى البون الشاسع في وجهات النظر ، فريق لا يعترف بقيمة العقل وحجيته وفريق لا يعترف بقيمة سوى العقل . وهذا الاختلاف المنهجي هو سبب تفرق المسلمين و تمذهبهم عندما اختلفوا في أسس التفكير ، فباختلاف المناهج اختلفت النتائج ، فإذا كان هناك