وهذه المقدمة نفسها تحتاج إلى إثبات ، حيث لا يمكن اعتبار أن السماع هو الميزان والمعيار لمعرفة العقائد مجرداً عن العقل ، وذلك لان السماع لا يمكن أن يكون حجة ملزمة إلا إذا آمن الإنسان أولاً بالله سبحانه وتعالى ، ثم آمن برسوله ( ص ) ، وهذه المراحل الثلاثة إذا لم تتوفر يستحيل عليك أن تلزم إنساناً وتحتج عليه بالآيات والروايات ، وإلا يصبح الأمر جدلاً فارغاً يدور في حلقة لا نهاية لها ، ومن المعروف عقلاً امتناع إثبات الشيء من نفسه لأنه يستلزم الدور ، والدور باطل ، وإليك مثالاً لذلك : إن إثبات وجود الله سبحانه وتعالى بآية قرآنية والاحتجاج بها موقوف على الايمان والتصديق بالآية القرآنية ، والايمان بالآية موقوف على الايمان بالله تعالى والايمان بالله تعالى موقوفاً على الايمان بالآية موقوف على الايمان بالله تعالى والايمان بالله تعالى موقوفاً على الايمان بالآية ، وبحذف المتكرر يصبح الايمان بالآية موقوفاً على الايمان بالآية . . وهذا باطل . ثم نسأل على أي شيء نزل هذا الوحي ؟ أعلى غير الإنسان نزل . فإذا نزل على الإنسان : فلماذا خص الله الإنسان بذلك ؟ أليس لأن الإنسان يملك تلك الجوهرة الثمينة وهي العقل ؟ فإن كانت الإجابة نعم . فأين محل العقل في هذا المعيار . وهذه هي بداية الانحراف في الفكر الحنبلي ، حيث لم يعط اهتماماً للعقل ولم يدخله في استدلالاته العقائدية مع علمنا بأنه لا يستقيم الدليل إلا إذا وافق العقل . والاشتباه الذي وقع فيه الحنابلة وغيرهم من الحشوية والأشاعرة هو عدم معرفتهم بالعقل الذي لا يمكن معرفته كما هو إلا عن طريق مدرسة أهل البيت ( ع ) ، إن الحنابلة وغيرهم من الحشوية والأشاعرة يعتقدون أن العقل قد يوافق الشرع وقد يخالفه ، وبالأحرى فإنه لا كاشفية للعقل ولا