ومن العلوم علم النحو والعربية ، وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه وانشأه ، وأملي على أبي الأسود الدؤلي جوامع تكاد تلحق بالمعجزات ، لأن القوة البشرية لا تفي بمثل هذا الاستنباط . فأين من هو بهذه الصفة من رجل يسألونه ما معنى ( ابّا ) فيقول : لا أقول في كتاب الله برأيي ، ويقضي في ميراث الجد بمائة قضية يغاير بعضها بعضاً ، ويقول : إن زغت فقوّموني وإن استقمت فاتبعوني ( 1 ) . وهل يقيس عاقل مثل هذا إلى ن قال : سلوني قبل أن تفقدوني ( 2 ) ، سلوني عن طرق السماء فوالله إني لأعلم بها من طرق الأرض ؟ وقال : إن ها هنا لعلماً جماً ، وضرب بيده على صدره ، وقال : لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً فقد ظهر أنه أعلم ( 3 ) . وأما الزهد فإنه سيد الزهاد ، وبدل الأبدال ، وإليه تُشدّ الرحال ، وتنقص الأحلاس ، وما شبع من طعام قط ، وكان أخشن الناس لبساً ومأكلاً . قال عبد الله بن أبي رافع : دخلت على علي ( ع ) يوم عيد فقدم جراباً مختوماً فوجد فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً فتقدم فأكل . فقلت : يا أمير المؤمنين فكيف تختمه وإنما هو خبز شعير ؟ فقال : خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن ( 4 ) . وكان ثوبه مرقوعاً بجلد تارة وبليف أخرى ، ونعلاه من ليف ، وكان يلبس الكرباس الغليظ فإن وجد كمه طويلاً قطعه بشفرة ولم يخيطه وكان لا يزال ساقطاً على ذراعيه حتى يبقى سدى بلا لحمة ، وكان يأتدم إذا ائتدم بالخل والملح
1 - تقدمت تخريجاته . 2 - تقدمت تخريجاته . 3 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 ص 253 ، وقد تقدمت تخريجاته فيما سبق . 4 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 ص 253 ، وقد تقدمت تخريجاته فيما سبق .