وللمرة الثالثة ، تراجع أبو حنيفة عن قوله : إنه صاحب رأي ، وأعلن بعد لحظات صمت وتفكير وحيرة وخجل : إنما أنا صاحب حدود . فقال الإمام : - فما ترى في رجل أعمى ، فقأ عين صحيح - ، وأقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحد ؟ حاول أبو حينفة أن يجيب عن أسئلة الإمام حتى يحصل على تبرير لتربعه على عرش الفتيا ، في العراق ، ولكنه فشل ثم قال بتحسر : - لا علم لي . . . لا علم لي - . . . لولا أن يقال دخل على ابن رسول الله ، فلم يسأله عن شيء ما سألتك عن شيء . . فقس إن كنت مقيساً . - لا . . لا أتلكم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس . ولكن الإمام ( ع ) ابتسم قائلاً : كلا . . كلا . . إن حب الرئاسة غير تاركك . . كما لم يترك من قبلك . ( 2 ) الإمام مالك بن أنس هو أبو عبد الله ، مالك بن أنس بن مالك ، ولد في المدينة سنة 93 ه على أحد الأقوال وتوفى سنة 179 ه على أحد الأقوال ، وقد ازدهر عهد مالك بالعلم وأصبحت المدينة يؤمها طلاب العلم من مختلف الأقطار الإسلامية ، وامتازت مدرسة المدينة بالتمسك بالحديث ومحاربة مدرسة الرأي بالكوفة برئاسة أبي حنيفة ، مما أحدث بينهما خلافاً وتنازعاً خرج عن حد العلم والموضوعية .