ومن الواضح أن هذه الآراء قد تميزت بالموضوعية ، فلم تكن سبأ وشتماً وخروجاً عن حد المعقول بل هي إشكالات علمية على أبي حنيفة ، وقد تغاضينا في هذا المقام عن تهريجات أعدائه وعن مغالاة أتباعه ، واكتفينا بآراء العلماء فيه ، وهي كافية في قدح شخصيته ، فكيف تسنى له أن يكون إماماً ، وفي الأمة من هو أجدر منه ، فقهاً وعلماً وعدالة ؟ ! ولكنها السياسة ، وما أدراك ما السياسة . أبو حنيفة والإمام الصادق ( ع ) . كان أبو حنيفة كثير الجدل قوي المناظرة ، وقد أراد المنصور ، أن يستغله في ضرب الإمام الصادق ( ع ) ، الذي انتشر ذكره وعلا صيته ، وكان يصعب على المنصور أن يرى في الكوفة ومكة والمدينة وقم حلقات علمية هي أشبه شي بفروع لمدرسة الغمام جعفر بن محمد الصادق ( ع ) ، ولذلك اضطر المنصور لجلب الإمام ( ع ) من المدينة إلى الكوفة وطلب من أبي حنيفة أن يهييء من مهمات المسائل ، فيسأل الإمام بها في مجلس عام لكي يحرج الإمام الصادق ( ع ) ، ويحظ من منزلته . قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد الصادق ، لما أقدمه المنصور بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة ، إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهييء له من المسائل الشداد ، فهيأت له أربعين مسألة . ثم بعث إليّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته ، فدخلت عليه ، وجعفر بن محمد جالس عن يمينه ، فلما بصرت به ، دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور ، فسلمت عليه ، وأومأ إليّ فجلست ثم التفت إليه فقال : يا أبا عبد الله ، هذا أبو حنيفة .