اجتماع الناس عليهم ورضاهم بهم فلم يكن له أثر في التاريخ الإسلامي ، بل على العكس تماماً ، فقد تعصب كل أناس لمذهبهم وطعن بعضهم في معتقدات البعض حتى نتج من ذلك نزاعات دموية راح ضحيتها الآلاف من المسلمين ، فأصبحوا أعداء متخاصمين ، وعاملوا بعضهم معاملة الخارجين عن الدين حتى قال محمد بن موسى الحنفي - قاضي دمشق - المتوفي سنة 506 ه - : لو كان لي من الأمر شيء لأخذت من الشافعية الجزية . ويقول أبو حامد الطوسي المتوفي سنة 567 ه - : لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية . فكثرت الحوادث التي وقعت بين الحنفية والحنابلة ، وبين الحنابلة والشافعية . فقام خطباء الحنفية يلعنون الحنابل والشوافع على ابنابر ، والحنابل يحرقون مسجداً للشافعية بمرو ، وشبت نار الفتنة والعصبية بن الحنفية والشافعية في نيسابور فحُرقت الأسواق والمدارس ، وكثُر القتل في الشافعية ، ثم يسرف الشافعية في أخذ الثأر منهم وذلك سنة 554 ه ومثل ذلك حدث بين الشافعية والحنابلة حتى تضطر السلطة إلى حل النزاع بالقوة وذلك في سنة 716 ه - ( 1 ) . وكان الحنابلة يخلّون بأعمالهم بالأمن ويهرجون في بغداد ، ويستظهرون بالعميان على الشافعية ، الذين كانوا يأوون إلى المساجد ، فإذا مرّ بهم شافعي المذهب أغروا به العميان فيضربونه ( 2 ) . وتجتمع بقية الذاهب على الحنابلة غضباً من أعمال ابن تيمية ، ونودي في دمشق وغيرها : من كان على دين ابن تيمية حُلّ ماله ودمه . بمعنى أنهم يعاملونهم معاملة الكفرة ، وفي القمابل نجد الشيخ ابن حاتم الحنبلي يقول : ( من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم ) ( 3 ) .
1 - البداية والنهاية ج 4 ص 76 ، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ص 190 . 2 - ابن الأثير ج 8 ص 229 . 3 - تذكرة الحفّاظ ج 3 ص 375 .