هذه العقلية المتحجرة ، كانت هي السبب الثاني الذي حال بيني وبين أن أكون وهابياً ، رغم أنني تأثرت بكثير من أفكارهم ، فكنت أتبناها وأدافع عنها . وبقيت على هذه الحال مدة من الزمن تائهاً لا قرار لي ولا اتجاه ، اقترب من الوهابية حيناً وأتبعد عنها حيناً آخر ، ورأيت أن الحل الوحيد أمامي - بدلاً من الكلية العسكرية - ان أدرس في كلية أو جامعة إسلامية حتى أواصل بحثي بطريقة أكثر دقة وإمعاناً . وبعد امتحاني للجامعة ، كانت هناك ستة رغبات من الجامعات والمعاهد التي رغب الطالب في دراستها ، فلم اختر غير الجامعات والكليات الإسلامية ، وبالفعل تم قبولي في أحد الكليات الإسلامية ( وهي كلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة وادي النيل في السودان ) . فطرت بها فرحاً ، وأعددت العدة لهذه المرحلة الجديدة في حياتي ، وبعد أداء التدريب العسكري ( الدفاع الشعبي ) الذي لا يمكن دخول الجامعة إلا بعد الفراغ منه ، بدأت الوفود من مختلف أنحاء السودان بالمجئ إلى الجامعة وكنت أنا من أولهم ، وأثناء المقابلة سألني مدير الكلية عن شخصية أعجبت بها في حياتي ؟ قلت له : جمال الدين الأفغاني ، وأوضحت له سر إعجابي به . . ، فأبدى ارتياحه من كلامي ، وبعد كثير من الأسئلة تمّ قبولي رسمياً في الكلية . وبعدها انطلقت إلى المكتبة التي حوت كثيراً من الكتب والموسعات الضخمة فأصبحت ملازماً لها ، ولكن المشكلة التي واجهتني هي من أين أبدأ ؟ وأي شيء أقرأ ؟ وبقيت على هذا الحال ، انتقل من كتاب إلى آخر . . وقبل أن أضع لنفسي برنامجاً ، فتح لي أحد أقاربنا باباً واسعاً ومهماً في البحث والتنقيب ، وهو دراسة التاريخ وتتبع المذاهب الإسلامية لمعرفة الحق من بينها ، وكان هذا الفتح توفيقاً إلهياً لم يكن في حسباني ، عندما التقيت بقريبي عبد المنعم - وهو