منه ما ليس عند هذا ، ونسمع من هذا ما ليس عند هذا ، فقد منا الكوفة فأقمنا أربعة أشهر ، ولو أردنا إن نكتب مائة إلف حديث لكتبناها ، فما كتبنا إلا قدر خمسين ألف حديث ، وما رضينا من أحد إلا ما لامة [1] ، إلا شريكا ، فإنه أبى علينا ، وما رأينا بالكوفة لحانا مجوزا ، ا ه .
انظر ، مصرا يكتب بها - مثل عفان - في أربعة أشهر . خمسين ألف حديث ! مع هذا التروي [2] . ومسند أحمد أقل من ذلك بكثير ، أيعد مثل هذا البلد قليل الحديث ؟ !
على أن أحاديث الحرمين مشتركة بين علماء الأمصار في تلك الطبقات ، لكثرة حجهم ، وكم بينهم من حج أربعين حجة وعمرة ، وأكثر ، وأبو حنيفة وحده ، حج خمسا وخمسين حجة ، وأنت ترى البخاري يقول : ولا أحصي ما دخلت الكوفة في طلب الحديث ، حينما يذكر عدد ما دخل باقي الأمصار ، ولهذا أيضا دلالته في هذا الصدد .
ومما يدل عليه الخبر السابق ، براءة علماء الكوفة من اللحن الذي اكتظت به بلاد الحجاز . والشام . ومصر في ذلك العهد ، وأنت تجد في كلام ابن فارس مدافعته عن مالك في ذلك ، وقول الليث في ربيعة ، تجده في " الحلية " ، وقول أبى حنية في نافع ، تجده في - كتاب - ابن أبي العوام ، والكلمة التي تروى عن أبي حنيفة ، [3] بدون سند متصل ، على أن وجهها في العربية ظاهر جدا ، على فرض ثبوتها عنه ، وقد توسع المبرد في - اللحنة - أنباء اللاحنين من أهل الأمصار ، سوى بلاد العراق وقد نقل مسعود بن شيبة جملة من ذلك في " التعليم " ، على أن مصر كانت تعاشر القبط ، والشام يساكن الروم ، وكان الحجاز يطرقه كل طارق من الأعاجم ، ولا سيما بعد عهد كبار التابعين ، مع عدم وجود أئمة اللغة ، يحفظونها من الدخيل . واللحون ، وأما الكوفة . والبصرة ، ففيهما دونت العربية ، فأهل الكوفة راعوا تدوين جميع اللهجات العربية ، في عهد نزول الوحي ، ليستعينوا بذلك على فهم أسرار الكتاب والسنة ، ووجوه القراءة ، وأهل البصرة انتهجوا مسلك التخير من اللهجات ، ما يحق أن يتخذ لغة المستقبل ، فاحد المسلكين لا يغنى عن الآخر .
فعلم بذل مركز الكوفة في الفقه . والحديث . اللغة ، وأما القرآن ، فالأئمة الثلاثة ، من السبعة ، كوفيون ، وهم : 1 - عاصم 2 - وحمزة 3 - والكسائي ، وزد