عبد الحق في كتبه ، في أحاديث الاحكام ، والشافعي يرى فيه غربلة ما خرجه البيهقي في " السنن " . و " المعرفة " . وغيرهما ، وتمحيص ما ذكره النووي في " المجموع " .
و " شرح مسلم " ، واستعراض ما بينه ابن دقيق العيد في " الالمام " . و " الامام " . و " شرح العمدة " ، وكذلك الحنبلي يلاقى فيه وجوه النقد في " كتاب التحقيق " - لابن الجوزي . و " تنقيح التحقيق " . لابن عبد الهادي ، وغير ذلك من الكتب المؤلفة في أحاديث الاحكام ، بل يجد الباحث فيه سوى ما في الصحاح ، والسنن . والمسانيد .
والآثار . والمعاجم ، من أدلة الاحكام أحاديث في الأبواب ، من مصنف ابن أبي شيبة - أهم كتاب في نظر الفقيه - . ومصنف عبد الرزاق . ونحوهما ، مما ليس بمتناول يد كل باحث اليوم ، مع استيفاء الكلام في كل حديث ، من أقوال أئمة الجرح والتعديل ، ومن كتب العلل المعروفة ، وهذا مما جعل لهذا الكتاب ميزة عظمي بين كتب التخاريج . ولا أريد بهذا ، الثناء على كتابه تثبيط العزائم وتخدير الهمم ، ولا إنكار أنه لا نهاية لما يفيض الله سبحانه على أهل العزيمة الصادقة من خبايا العلوم ، ولا نفى أن في كتب من بعده بعض فوائد ، يشكر مؤلفوها عليها ، ويزداد استقاء أمثالها من ينابيعها الصافية ، عند مضاعفة السعي ، وصدق العزيمة وإنما قلت ما قلت ، إعطاء لكل ذي حق حقه ، وإجلالا للعلم ، واستنهاضا للهمم ، نحو محاولة الاستدراك ، على مثل هذا العالم الجليل .
وهذا حافظ واحد من حفاظ الحنفية ، قام بمثل هذا العمل العظيم الذي وقع موقع الاعجاب الكلى بين طوائف الفقهاء كلهم ، في عصره ، وبعد عصره ، فمن قلب صحائف هذا الكتاب ، ودرس ما في الأبواب كلها ، لكن لا تخلو البسيطة من متعنت يتقول فيهم ، إما جهلا . أو عصبية جاهلية ، فمرة يتكلمون في أخذهم بالرأي ، عند فقدان النص ، مع أنه لا فقه بدون رأى ، ومرة يرمونهم بقلة الحديث ، وقد امتلأت الأمصار بأحاديثهم ، وأخرى يقولون : إنهم يستحسنون ، ومن استحسن فقد شرع ، وأين يكون موقع هذا الكلام من الصدق ؟ ! بعد الاطلاع على كلامهم في الاستحسان ، وكيف يستطيع القائل بالقياس رد الاستحسان ؟ والشرع لله وحده . إنما الرسول صلوات الله عليه - مبلغه ، وقصارى ما يعمل الفقيه فهم النصوص فقط ، فمن جعل للفقيه حظا من التشريع ، لم يفهم الفقه والشرع ، بل ضل السبيل ، وجعل شرع الله من الأوضاع البشرية ، وحاش لله أن يجعل للبشر دلا في شرعه ووحيه .
هذا ، وقد رأيت تفنيد تلك التقولات ، بسرد مقدمات في الرأي والاجتهاد ، وفى الاستحسان الذي يقول به الحنفية ، وفى شروط قبول الاخبار عندهم ، وفى منزلة الكوفة من علوم القرآن . والحديث . والعلوم العربية . والفقه . وأصوله ، وكون الكوفة ينبوع الفقه المشرق ، من بلاد المشرق ، المنتشر في قارات الأرض كلها ، وميزة مذهب -