وسند الأتقياء ، ومخرج الأمة من الظلمات إلى النور والضياء ، وعلى آله وصحبه ، السادة النجباء ، والقادة الأصفياء ، شموس الهداية ، وبدور الاهتداء ، الناضري الوجوه ، بتبليغ ما بلغوه من أدلة الشريعة الغراء .
وبعد : فان كتاب " نصب الراية - لتخريج أحاديث الهداية " للامام الحافظ الفقيه الناقد الشيخ " عبد الله بن يوسف الزيلعي " - أعلى الله سبحانه منزلته في الجنة - كتاب لا نظير له في استقصاء أحاديث الاحكام ، حيث كان مؤلفه لا يفتر ساعة عن البحث ، ولا يعوقه عن التنقيب عائق ، ولا دون فحصه تواكل ، ولا تكاسل ، ولا يزهده في الاخذ عن أقرانه ، وعمن هو دونه كبر النفس ، وسعته في العلم ، بل طريقته الدأب ، ليل نهار ، على نشدان طلبة ، أينما وجد ضالته ، وهذا الاخلاص العظيم ، وهذا البحث البالغ ، جعلا لكتابه من المنزلة في قلوب الحفاظ ، مالا تساميه منزلة كتاب من كتب التخريج ، والحق يقال : إنه لم يدع مطمعا لباحث وراء بحثه وتنقيبه ، بل استوفى في الأبواب ذكر ما يمكن لطوائف الفقهاء أن يتمسكوا به على اختلاف مذاهبهم ، من أحاديث ، قلما يهتدى إلى جميع مصادرها أهل طبقته ، ومن بعده من محدثي الطوائف ، إلا من أجهد نفسه إجهاده ، وسعى سعيه لوجود كثير منها في غير مظانها ، بل قل من ينصف إنصافه ، فيدون أدلة الخصوم تدوينه ، غير مقتصر على أحاديث طائفة دون طائفة ، مع بيان مالها وما عليها ، بغاية النصفة ، بخلاف كثير ممن ألفوا في أحاديث الاحكام في المذاهب ، فإنك تراهم يغلب عليهم التقصير في البحث ، أو السير وراء أهواء ، والتقصير في البحث ، يظهر المسألة القوية الحجة بمظهر أنها لا تدل عليها حجة ، والسير وراء هوى ، تعصب يأباه أهل الدين ، وأخطر ما يغشى على بصيرة العالم عند النظر في الأدلة ، هو التعصب المذهبي ، فإنه يلبس الضعيف لباس التقوى ، والقوى لباس الضعيف ، ويجعل الناهض من الحجة داحضا ، وبالعكس ، وليس ذلك شان من يخاف الله في أمر دينه ، ويتهيب ذلك اليوم الرهيب الذي يحاسب فيه كل امرى على ما قدمت يداه ، فإذا وجد المتفقه من هو واسع العلم ، غواص لا يتغلب عليه الهوى ، بين حافظ الحديث ، فليعض عليه بالنواجذ ، فان ذلك ، الكبريت الأحمر بينهم ، والحافظ الزيلعي هذا ، جامع لتلك الأوصاف حقا ، ولذلك أصبحت أصحاب التخاريج بعده عالة عليه ، فدونك كتب : البدر الزركشي . وابن الملقن . وابن حجر . وغيرهم ، الذين يظن بهم أنهم يحلقون في سماء الاعجاب ، ويناطحون السحاب ، وقارنها بكتب الزيلعي ، حتى تتيقن صدق ما قلنا ، بل إذا فعلت ذلك ربما تزيد ، وتقول : إن سدى تلك الكتاب ولحمتها ، كتب الزيلعي إلا في التعصب المذهبي ، وكتاب الزيلعي هذا يجد فيه نقاوة ما خرجه ابن عبد البر في " التمهيد " . و " الاستذكار " ، وخلاصة ما بسطه