وسئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن بدء هذا الأمر فقال كان الله ولم يكن شيء غيره ثم ذكر الخلق فإن قال قائل فهل في العقل دليل على حدث الأجسام قيل نعم وقد وجدنا الأجسام لا تنفك عن الحوادث المتعاقبة عليها كالاجتماع والافتراق والسكون والحركة والألوان والمطعوم والأرايح وما لم ينفك من الحوادث ولم يسبقها محدث مثلها وإن قال وهل فيه دليل على حدث الأعراض قيل نعم قد وجدناها تتضاد في الوجود ولا يصح وجود جميعها معا في محل فثبت أن بعضها يبطل ببعض وما يجوز عليه البطلان لا يكون إلا حادثا لأن القديم لم يزل ولا يصح عليه العدم فإن قال فهل فيه دليل على أن الحوادث لا بد لها من محدث قيل نعم حقيقة المحدث ما وجد عن عدم ولولا أن موجودا أوجده لم يكن وجوده أولى من عدمه وإنه يتقدم بعضها على بعض فلولا أن مقدما قدم ما تقدم منه لم يكن حدوثه متقدما أولى من حدوثه متأخرا وكذلك وجود بعضه على بعض الهيئات المخصوصة يدل على جاعل خصه بذلك لولاه لم يكن بعض الهيئات بأولى من بعض ولأنا نشاهد الأجسام يتنقل أسبابها ويتبدل أحوالها فلولا أن منقلا نقلها لم يكن انتقالها أولى من بقائها وفي ذلك دليل على أن تعلقها بمن نقلها وحاجتها إلى من غيرها أنها مصنوعة وأن لها صانعا غيرها ونحن نصوره في الإنسان الذي هو في غاية الكمال والتمام فإنه كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحما ودما وقد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال إلى حال لأنا نراه في حال كمال قوته وتمام عقله لا يقدر على أن يحدث لنفسه سمعا ولا بصرا ولا أن يخلق لنفسه جارحة فدل ذلك على أنه قبل تكامله واجتماع قوته عن ذلك أعجز وقد رأيناه طفلا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا وقد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال إلى حال فدل على أن ناقلا نقله من حال إلى حال ودبره على ما هو عليه ومما يبين ذلك أن القطن لا يجوز أن يتحول غزلا مفتولا ثم ثوبا منسوجا من غير صانع ولا مدبر والطين والماء لا